فنقول: على القول بإثبات الشّفعة بالشّركة في البئر والطّريق يأخذ الشّفيع المبيع كلّه بالشّركة في البئر والطّريق ولا يختصّ ذلك بالبئر نفسها ولا بالطّريق وحده، وقد نصّ على ذلك أحمد في رواية أبي طالب، فإنّه سأله عن الشّفعة لِمَن هي؟ فقال: للجار إذا كان الطّريق واحدًا، فإذا صرفت الطّرق وعرفت الحدود فلا شفعة، ويدلّ على ذلك ما رواه أهل السّنن الأربعة من حديث جابر، قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: "الجار أحقّ بشفعة جاره وإن كان غائبًا إذا كان طريقهما واحدًا".
وفي حديث جابر المتّفق عليه:"الشّفعة في كلّ ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرف الطّرق فلا شفعة". فمفهوم الحديث الأخير موافق لمنطوق الأوّل، بإثبات الشّفعة إذا لم تصرف الطّرق. والشّركة في البئر تقاس على الشّركة في الطّريق؛ لأنّ الشّفعة إنّما شرعت لإزالة الضّرر عن الشّريك ومع بقاء الشّركة في البئر والطّريق يبقى الضّرر بحاله. وهذا اختيار الشّيخ تقيّ الدِّين رحمه الله، وهو الذي عليه الفتوى.
وأمّا الشّفعة فيما لا ينقل وليس بعقارٍ كالشّجر إذا بيع مفردًا ونحو ذلك، فاختلف العلماء في ذلك، فالمشهور في المذهب أنّها لا تثبت فيه الشّفعة. وهو قول الشّافعي وأصحاب الرّأي. وعن أحمد رواية أخرى أنّ الشّفعة تثبت في البناء والغراس وإن بيع مفردًا لعموم قوله -صلّى الله عليه وسلّم-: "الشّفعة فيما لم يقسم"، ولأنّ الشفعة تثبت لدفع الضّرر والضّرر فيما لا ينقسم أبلغ منه فيما ينقسم. وقد روى التّرمذي من حديث عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: "الشّفيع شريك والشّفعة في كلّ شيءٍ". وقد روي مرسلًا. ورواه الطّحاوي من حديث جابر مرفوعًا