(وقسم) يمسكون عن هذا كله، ولا يزيدون على تلاوة القرآن، وتلاوة الحديث، معرضين بقلوبهم وألسنتهم عن هذه التقديرات كلها. فهذه الأقسام الستة لا يمكن أن يخرج الرجل عن قسم منها.
والصواب في ذلك: القطع بالطريقة السلفية، وهي اعتقاد الشافعي ومالك والثوري والأوزاعي، وابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وهي اعتقاد المشايخ المقتدى بهم كالفضيل بن عياض، وأبي سليمان الداراني، وسهل بن عبد الله التستري وغيرهم؛ فإنه ليس بين هؤلاء الأئمة نزاع في أصول الدين، وكذلك أبو حنيفة -رحمه الله تعالى-.
واعتقاد هؤلاء هو ما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وهو ما نطق به الكتاب والسنة في التوحيد والقدر وغير ذلك.
[أقوال علماء السلف وأئمة الفقه في الصفات]
قال الشافعي -رحمه الله تعالى- في أول خطبة الرسالة: الحمد لله الذي هو كما وصف به نفسه، وفوق ما يصفه به خلقه. فبين -رحمه الله تعالى- أن الله تعالى يوصف بما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكذلك قال أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى-: لا يوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم: لا يتجاوز القرآن والحديث.
وقد ثبت في الصحيح أنه قال للجارية:"أين الله؟ قالت في السماء. قال: من أنا؟ قالت: رسول الله قال: اعتقها فإنها مؤمنة"١، وهذا الحديث رواه الشافعي، ومالك، وأحمد بن حنبل، ومسلم في صحيحه، وغيره. وأهل السنة يعلمون أنه ليس معنى ذلك أن الله تعالى في جوف السماء، وأن السماوات تحصره وتحويه؛ فإن هذا لم يقله أحد من سلف الأمة وأئمتها، بل هم متفقون على أن الله فوق سماواته، على عرشه، بائن من خلقه، ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته. وقد قال مالك
١ مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (٥٣٧) , والنسائي: السهو (١٢١٨) , وأبو داود: الصلاة (٩٣٠) والأيمان والنذور (٣٢٨٢).