أن يكون فعل كلّ واحدٍ صالحًا لأن يكون سببًا لموت المجنِي عليه، لا أنّه يغلب حصول الموت من تلك الجناية؛ لأنّهم مثلوا بالموضحة مع أنّ حصول الموت بها نادر. وصرّحوا بأنّ القصاص إنّما يجب على المباشر بالشّرط المذكور. فخرج المشير والآمر، فلا يجب عليهما القصاص لاسيما وقد صرّحوا بعدم وجوب القصاص على الآمر في جملة. وإن كان بعض الأصحاب حكى رواية بوجوب القصاص على الآمر. فالمذهب خلافها.
قال في الشّرح: وإن أمر كبيرًا عاقلًا عالمًا بتحريم القتل فقتل فالقصاص على القاتل لا نعلم فيه خلافًا؛ لأنّه قاتل ظلمًا فوجب عليه القصاص كما لو لم يأمر. ثم ذكر حكم ما إذا أمر السّيّد عبده بقتل رجلٍ وما فيه من التّفصيل المذكور في كتب الفقه إلى أن قال:
وإن أمر السّلطان بقتل إنسانٍ بغير حقٍّ مَن يعلم ذلك فالقصاص على القاتل، وإن لم يعلم فعلى الآمر. فإذا كان المأمور يعلم أنّ الإنسان المأمور بقتله لا يستحقّ القتل فالقصاص عليه؛ لأنّه غير معذورٍ في فعله؛ فإنّ النَّبِيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال:"لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق". وعنه - عليه الصّلاة والسّلام -: "مَن أمركم من الولاة بمعصية الله فلا تطيعوه". فلزمه القصاص كما لو أمره غير السّلطان. وإن لم يعلم ذلك فالقصاص على الآمر دون المأمور؛ لأنّ المأمور معذور بوجوب طاعة الإمام في غير المعصية. فالظّاهر أنّه لا يأمر إلّا بالحقّ.
وإن كان الآمر غير السّلطان فالقصاص على القاتل بكلّ حالٍ علم أو لم يعلم؛ لأنّه لا تلزمه طاعته وليس له القتل بخلاف السّلطان، فإنّ إليه القتل في الرّدّة والزّنا، وقطع الطّريق إذا قتل القاطع ويستوفي القصاص للنّاس، وهذا ليس له شيء من ذلك. انتهى.