قال شيخنا: ويحتمل أن تجب في مال القاتل إذا تعذر حملها عنه. وهذا القول للشّافعي لعموم قوله تعالى:{وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}، [النّساء، من الآية: ٩٢]. ولأنّ قضية الدّليل وجوبها على الجاني جبرًا للمحلّ الذي فوته، وإنّما سقط عن القاتل لقيام العاقلة مقامه في جبر المحلّ، فإذا لم يوجد ذلك بقي واجبًا عليه بمقتضى الدّليل، ولأنّ الأمر دائر بين أن يبطل دم المقتول وبين إيجاب ديته على المتلف لا يجوز الأوّل؛ لأنّ فيه مخالفة للكتاب والسّنة وقياس أصول الشّريعة فتعيّن الثّاني. ولأنّ إهدار الدّم المضمون لا نظير له وإيجاب الدّية على قاتل الخطأ له نظائر. وأطال الكلام في تقوية هذا القول. واختار هذا القول الثّاني أيضًا الشّيخ تقيّ الدِّين.
قال في الاختيارات: وتؤخذ الدّية من الجاني خطأ عند تعذّر العاقلة في أصحّ قولي العلماء. قال في شرح الإقناع: وعنه تجب في مال القاتل. قال في المقنع: وهو أولى، أي: من إهدار دم الأحرار في غالب الأحوال؛ فإنّه لا يكاد توجد عاقلة تحمل الدّية كلّها ولا سبيل إلى الأخذ من بيت المال فتضيع الدّماء.
المسألة السّادسة: إذا لم تنقص الجناية المجني عليه بعد البرء ولا حال جريان الدّم.
فالمشهور في المذهب أنّه لا شيء فيها، سوى التّعزير. فقد صرّحوا بوجوب التّعزير في ذلك. قال في الإنصاف في هذه المسألة: فإن لم تنقصه شيئًا بحال أو زادته حسنًا كإزالة ليحة امرأة أو إصبع زائدة ونحوه فلا شيء فيها. هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
قال في المحرّر: فلا شيء فيها على الأصحّ. قال في الفروع: فلا شيء فيها في الأصحّ. وكذا قال النّاظم وصحّحه في المغنِي والشّرح وغيرهما.