فأقول: الجواب يظهر مما قاله شيخ الإسلام -رحمه الله- في آية الربا في قوله -تعالى-: {فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ}[سورة البقرة آية: ٢٧٥]، فاقتضى أن السالف للقابض، وأن أمره إلى الله ليس للغريم فيه أمر، وذلك أنه لما {جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى}[سورة البقرة آية: ٢٧٥] كان مغفرة ذلك الذنب، والعقوبة عليه إلى الله -تعالى-، إن علم من قلبه صحة التوبة غفر له، وإلا عاقبه. ثم قال:{اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[سورة البقرة آية: ٢٧٨] فأمر بترك الباقي ولم يأمر برد المقبوض وقال: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ}[سورة البقرة آية: ٢٧٩] إلا أنه يستثنى منها ما قبض. وهذا الحكم ثابت في حق الكافر إذا عامل كافرا بالربا، وأسلما بعد القبض وتحاكما إلينا، فإن ما قبضه يحكم له به كسائر ما قبضه الكفار بالعقود التي يعتقدون حلها.
وأما المسلم فله ثلاثة أحوال: تارة يعتقد حل الأنواع باجتهاد أو تقليد، وتارة يعامل بجهل ولا يعلم أن ذلك ربا محرم، وتارة يقبض مع علمه بأن ذلك محرم.
أما الأول والثاني ففيه قولان إذا تبين له فيما بعد أن ذلك ربا محرم، قيل: يرد ما قبض كالغاصب، وقيل: لا يرده، وهو أصح، لأنه إذا كان معتقدا أن ذلك حلال، والكلام فيما إذا كان مختلفا فيه مثل الحيل الربوية. فإذا كان الكافر إذا تاب يغفر له ما استحله، ويباح له ما قبضه، فالمسلم إذا تاب أولى أن يغفر الله، إذا كان أخذ بأحد قولي العلماء في حل ذلك، فهو في تأويله أعذر من الكافر في تأويله.
[الجهل بالأحكام]
وأما المسلم الجاهل فهو أبعد، لكن ينبغي أن يكون كذلك، فليس هو شر من الكافر، وقد ذكرنا فيما يتركه من الواجبات التي لم يعرف وجوبها هل عليه قضاء؟ قولان، أظهرهما الاقتضاء عليه. وأصل ذلك أن أصل الخطاب هل يثبت في حق المسلم قبل بلوغ الخطاب؟ فيه قولان في مذهب