للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبا لبابة، فأخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقتلوا الحيات إلا كل أبتر ذي طفيتين، فإنه يسقط الولد ويذهب البصر فاقتلوه"١ ولفظه عن نافع عن ابن عمر "أنه كان يقتل الحيات، فحدثه أبو لبابة: أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل حيات البيوت فأمسك عنها"٢.

واعلم أن حديث أبي سعيد يقتضي طلب تقدم الإنذار في سائر الحيات، وحينئذ يعارض ما مر أول الجواب من إطلاق الأمر بقتلها، وقد يجاب بأن إطلاق الأمر بالقتل منسوخ، كما عرف من رواية البخاري السابقة أيضا، أي: حمل هذا على ما إذا لم يذهب بالإنذار، وإلا قتل جانًّا كان أو غيره، ويعارض استثناء الأبتر وذو الطفيتين إلا أن يجاب بأن استثناء هذين يقتضي أن الجني لا يتصور بصورتهما فَلْيُسَنّ قتلهما مطلقا، ثم رأيت الزركشي نقل ذلك عن الماوردي فقال: إنما أمر بقتلهما؛ لأن الشيطان لا يتمثل بهما، وإنما نهى عن ذوات البيوت لأن الجني يتمثل بهما.

وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقتلوهما فإنهما يطمسان البصر ويسقطان الحبالى" قال الزهري: ويروى ذلك من سمهما؛ وظاهر الأحاديث السابقة اختصاص الإنذار بعامر البيوت، وهو محتمل، ويحتمل أنه خص بذلك لأنه يتأكد فيه أكثر، وإلا فالعلة المعلومة مما مر تقتضي الإنذار فيما عدا الأبتر وذي الطفيتين؛ سواء كانت عامرة بيت إنسان أو بستان أو بئر أو غيرهما، والتعبير بذوات البيوت وهي العوامر، في رواية البخاري السابقة، كأنه الغالب.

وبما تقرر علم أنه لا يطلب التحول من الدار لأجل ما ظهر من الحيات فيها؛ بل تنذر ثلاث ساعات؛ فإن ذهبت وإلا قتلت، وإن الثلاث


١ البخاري: بدء الخلق (٣٣١١) , ومسلم: السلام (٢٢٣٣) , وابن ماجه: الطب (٣٥٣٥) , وأحمد (٢/ ٩).
٢ البخاري: بدء الخلق (٣٣١٣) , ومسلم: السلام (٢٢٣٣) , وأحمد (٣/ ٤٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>