للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم وفي آخر القرن، وفيه امتحن المأمون بن الرشيد علماء الحديث، وحملهم على القول بخلق القرآن، فمنهم من أجاب مكرها، ومنهم من لم يجب، وصبر على المحنة كالإمام أحمد، ومحمد بن نوح -رحمه الله تعالى-، واستمرت المحنة في خلافة أخيه المعتصم، وفي خلافة الواثق. فلما استخلف المتوكل رفع المحنة عن الإمام أحمد وأهل الحديث.

ثم بعد ذلك ظهرت دولة القرامطة في المشرق، وصار لهم صولة، وأظهروا الكفر، وقتلوا الحجاج بمكة، وألقوهم في بئر زمزم، وقلعوا الحجر الأسود، ونقلوه إلى بلادهم. قال شيخ الإسلام: وهم من أشد الناس كفرا.

وظهرت دولة بني بويه في أوائل القرن الرابع، فأظهروا الغلو في أهل البيت، وبنوا المساجد على قبورهم، وبنوا المشاهد، وعبدوها من دون الله، فأشبهوا اليهود والنصارى، كما في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"١ يحذر ما صنعوا.

ولما ذكرت له أم سلمة وأم حبيبة كنيسة رأتاها بأرض الحبشة وما فيها من الصور فقال: "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة"٢.

وكذلك بنو عبيد القداح تغلبوا على مصر وبعض المغرب، وبنوا المساجد على القبور والمشاهد، بزعمهم أنها قبور أناس من أهل البيت، وهي الموجودة تعبد إلى الآن، وغيرها تعبد من دون الله.

فظهرت المقالات والبدع من الفلاسفة، والجهمية، والمعتزلة، والكلابية، والكرامية، والأشاعرة، وغيرهم من أهل البدع، وفشا الشرك والزندقة في هذه


١ البخاري: الصلاة (٤٣٦) , ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (٥٣١) , والنسائي: المساجد (٧٠٣) , وأحمد (١/ ٢١٨,٦/ ٣٤,٦/ ٨٠,٦/ ٢٥٢,٦/ ٢٥٥) , والدارمي: الصلاة (١٤٠٣).
٢ البخاري: الصلاة (٤٣٤) , ومسلم: المساجد ومواضع الصلاة (٥٢٨) , والنسائي: المساجد (٧٠٤) , وأحمد (٦/ ٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>