للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي كثيرة في القرآن، يحتج تعالى عليهم بذلك على ما جحدوه من توحيد الإلهية، الذي هو معنى "لا إله إلا الله" مطابقة وتضمنا، وهو الذي دعا إليه الناس في أول سورة البقرة، وفي سورة آل عمران، والنساء، وغيرهما، ودعت إليه الرسل: {أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} ١. وهو الذي دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران، ودعا إليه العرب قبلهم، كما قال أبو سفيان لهرقل لما سأله عما يقول: قال: يقول: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا.

وكل السور المكية في تقرير معنى "لا إله إلا الله" وبيانه. فإذا كان العلماء في وقتنا هذا وقبله في كثير من الأمصار، ما يعرفون من "لا إله إلا الله" إلا توحيد الربوبية، كمن كان قبلهم في عصر شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن رجب، اغتروا بقول بعض العلماء من المتكلمين أن معنى "لا إله إلا الله" القادر على الاختراع، وبعضهم يقول: معناها الغني عما سواه، المفتقر إليه ما عداه.

وعلماء الأحساء ما عادوا شيخنا -رحمه الله- في مبدأ دعوته إلا من أجل أنهم ظنوا أن عبادة يوسف والعيدروس وأمثالهم لا يستفاد بطلانها من كلمة الإخلاص، والله سبحانه بين لنا معنى هذه الكلمة في مواضع كثيرة من القرآن.

قال تعالى عن خليله عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ? إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِين وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} ٢، فعبر عن هذه الكلمة بمعناها، وهو نفي الشرك في العبادة، وقصرها على الله وحده.

وقال عن أهل الكهف: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} ٣. فإذا كان هذا التوحيد الذي هو حق الله على العباد قد خفي على أكابر العلماء في أزمنة سلفت، فكيف لا يكون بيانه أهم الأمور؟ خصوصا إذا كان الإنسان لا يصح له إسلام ولا إيمان إلا بمعرفة هذا التوحيد، وقبوله، ومحبته، والدعوة إليه،


١ سورة هود آية: ٢.
٢ سورة الزخرف آية: ٢٦.
٣ سورة الكهف آية: ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>