للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيتبين مما تقدم أن الحقوق المعنوية مال، وهذا مُتَّفِقٌ مع مذهب جمهور الفقهاء الذين يوسعون معنى المال ليشمل كل ما كان له قيمة مادية بين الناس، ويشرع الانتفاع به سواء كان عينيًّا أو معنويًّا (١)، خلافًا للحنفية الذين يخصون المال بما له قيمة من الأعيان (٢).

ولا شكّ أن ما ذهب إليه الجمهور هو الأظهر، لما يلي:

١ - أن مسمى المال من المسميات المطلقة التي لم يرد لها حدٌّ شرعًا ولا لغة، فيكون مردُّها للعرف، وقد تعارف الناس على مالية غير الأعيان مما له قيمة كالمنافع وبعض الحقوق.

٢ - أن الأدلة الشرعية جاءت باعتبار غير الأعيان كالمنافع أموالًا، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْكَحْتُكَهَا بما معك من القرآن" (٣). فجعل صداق المرأة منفعة، وهو


(١) وبنحوه عرف عبد السلام العبادي المال وففا لمذهب الجمهور، كما في كتابه الملكية ١/ ١٧٩، ومن تعاريف الجمهور للمال تعريف الشاطبي المالكي له: "بأنّه ما يقع عليه الملك، ويستبد به المالك عن غيره إذا أخذه من وجهه". الموافقات ٢/ ١٧ كما نقل السيوطي عن الشافعي قوله: "لا يقع اسم المال إلا على ما له قيمة يباع بها، وتلزم متلفه، وإن قلت، وما لا يطرحه الناس مثل الفلس وما أشبه ذلك" ونقل عنه: أن كل ما يُقَدَّر له أثر في النفع فهو متمول، الأشباه والنظائر ١/ ٣٢٧، وقال ابن حجر: "فالذي يظهر أن المال ما له قيمة" فتح الباري ٧/ ٤٨٩، وعرفه الحنابلة بأنّه: "ما فيه منفعة مباحة لغير حاجة أو ضرورة" كشاف القناع ٣/ ١٥٢. انظر: الملكية للعبادي ١/ ١٧٣، معجم المصطلحات الاقتصادية (ص ٢٩٣).
(٢) ويتبين ذلك من تعريفاتهم للمال، حيث عرفه في المبسوط ١١/ ٧٩ بقوله: "اسم لما هو مخلوق لإقامة مصالحنا به، ولكن باعتبار صفة التمول والإحراز. . ."، وفي رد المحتار ٤/ ٥٠١ عرف المال بأنّه: "ما يميل إليه الطبع، ويمكن ادخاره لوقت الحاجة"، ويتبين من تلك التعريفات اشتراط العينية للمال. انظر الملكية للعبادي ١/ ١٧٣، معجم المصطلحات الاقتصادية (ص ٢٩٣).
(٣) متفق عليه، رواه البخاري في كتاب النكاح باب التزويج على القرآن وبغير صداق برقم: =

<<  <   >  >>