للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد روى أبو عبيد آثارا عن السلف تؤيد أنهم فهموا أن المقصود من الزكاة ليس مجردَ رفع مؤقت لحال مسغبة، بل هي تحقيق للتكافل والكفاية بتحصيل الأمور الضرورية من مطعم ومسكن وملبس ومركب ونحوها من لوازم الحياة بغير سرف ولا إقتار، ومن تلك الآثار الدالة على ذلك:

قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - (إذا أَعْطَيْتُم فَأَغْنوا)، قال أبو عبيد: "وقد رُوِيَ ما هو أجل من هذا " (١).

قال أبو عبيد: "فكل هذه الآثار دليل على أن مبلغ ما يُعْطَاه أهل الحاجة من الزكاة ليس له وقت محظور على المسلمين ألا يعدوه إلى غيره، وإن لم يكن المعطى غارما، بل فيه المحبة والفضل إذا كان ذلك على جهة النظر من المعطي بلا محاباة ولا إيثار هوى؛ كرجل رأى أهل بيت من صالحي المسلمين أهلَ فقر ومسكنةٍ، وهو


(١) الأموال ١/ ٦٧٦، وقد رواه أبو عبيد واحتج به، كما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الزكاة، أبواب إخراج الزكاة؛ ما قالوا في الزكاة قدر ما يعطه منها ٣/ ٧٠، وقد ضعفه الألباني في تخريج أحاديث مشكلة الفقر (ص ١/ ٤٧)؛ وذلك للانقطاع بين عمر بن عبد العزيز وعمرو بن دينار، وروى أبو عبيد أيضا: أن عمر -رضي الله عنه - قال للسعاة: كرروا عليهم الصدقة، وإنْ راح على أحدهم مائة من الإبل، قلت: ولعله لا يصح عن عمر لعنعنة الحجاج بن أرطاة، وهو مدلس، وقد قال أبو عبيد عن هذا الأثر: وهذا حديث في إسناده مقال، فإن يكن محفوظا عن عمر فليس وجهه عندي على ما يحمله بعض الناس أن يكون يعطى من الزكاة من هو مالك لمائة من الإبل، هذا خلاف الكتاب والسنة، فلا يتوهم مثله على عمر، ولكنه أراد - فيما نرى - هذا المذهب الذي ذهبنا إليه، وهو أن يُعطى منها الفقير، وإن وإن ما يعطيه المصدق يبلغ مائة من الإبل يروح بها عليه.
وعن ابن عباس -رضي الله عنه - أنه كان لا يرى بأسا أن يعطي الرجل من زكاة ماله في الحج، وكان يقول: "أعتق من زكاة مالك"، وعن عطاء -رحمه الله- قال: "إذا أعطى الرجل زكاة ماله أهل بيت من المسلمين فَجَبَرَهُم فهو أحب إلي". قلت: وهذه الآثار وإن لم تدل على أن الزكاة تعطى لكفاية العُمْرِ، ولكنها تؤكد عدمَ حصر الإعطاء بسنة واحدة.

<<  <   >  >>