للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: قال الإمام ابن القيم في حكمة السجود: إنه يعفر وجهه في التراب استكانةً، وتواضعاً، وخضوعاً، وإلقاء باليدين.

ولذا قال مسروقٌ لسعيد بن جبير: يا سعيد! ما بقي شيءٌ نرغب فيه إلا أن نعفر وجوهنا في هذا التراب له (١).

وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يتقي الأرض بوجهه قصداً، بل إذا اتفق له ذلك، فعله، ولذلك سجد في الماء والطين (٢)، ولهذا كان من كمال السجود الواجب أن يسجد على الأعضاء السبعة، فهذا الذي أمر الله به رسولَه، وبلَّغه الرسولُ لأمته.

ومن كماله المستحب أو الواجب: مباشرة مصلاه بأديم وجهه، واعتماده على الأرض؛ بحيث ينالها ثقل رأسه، وارتفاع أسافله على أعاليه، فهذا من تمام السجود.

ومن كماله: أن يكون على هيئة يأخذ كل عضوٍ من البدن بحظه من الخضوع، فيقل بطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ويجافي عضديه عن جنبيه، ولا يفرشهما على الأرض؛ ليستقل كل عضوٍ منه بالعبودية.

ولذلك إذا رأى الشيطان ابن آدم ساجداً لله، اعتزل ناحيةً يبكي ويقول: يا ويله! أُمر ابنُ آدم بالسجود فسجد، فله الجنة، وأُمرت بالسجود


(١) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (٦/ ٨٠)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (٢/ ٩٦)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٥٧/ ٤٢٣).
(٢) رواه البخاري (٦٣٨)، كتاب: الجماعة والإمامة، باب: هل يصلي الإمام بمن حضر، وهل يخطب يوم الجمعة في المطر؟ ومسلم (١١٦٧)، كتاب: الصيام، باب: فضل ليلة القدر، والحث على طلبها، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>