للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعصيت، فلي النار (١)، ولذلك أثنى -جل ذكره وتقدست أسماؤه- على الذين يخرون له سجداً عند سماع كلامه، وذم من لا يقع ساجداً.

ولما علمت السحرة صدقَ موسى، وكذبَ فرعون، خروا سجداً لربهم، فكانت تلك السجدة أول سعادتهم وغفران ما أفنوا فيه أعمارهم من السحر.

ولما كانت العبودية غاية كمال الإنسان وقربه من الله تعالى بحسب نصيبه من عبوديته، وكانت الصلاة جامعة لمتفرق العبودية، متضمنةً لأقسامها، كانت أفضل أعمال العبد، ومنزلتها من الإسلام بمنزلة عمود الفسطاط منه، وكان السجود أفضل أركانها الفعلية، وسرَّها الذي شرعت لأجله، وكان تكرره في الصلاة أكثر من تكرر سائر الأركان، وجعل خاتمة الركعة وغايتها، وشرع فعله بعد الركوع؛ فإن الركوع توطئة له، ومقدمة بين يديه، وشرع فيه من الثناء على الله ما يناسبه، وهو قول العبد: سبحان ربي الأعلى (٢)، كما يأتي.

وقال الحافظ ابن رجب في كتابه "الذل والانكسار للعزيز الجبار": السجود أعظم ما يظهر فيه ذل العبد لربه- عز وجل-؛ حيث جعل العبد أشرف ما له من الأعضاء، وأعزها عليه، وأعلاها حقيقةً، أوضعَ ما يمكنه، فيضعه في التراب متعفراً، ويتبع ذلك انكسار القلب، وتواضعه، وخشوعه لله- عز وجل-.

ولهذا كان جزاء المؤمن إذا فعل ذلك: أن يقربه الله إليه، فإن "أقرب


(١) رواه مسلم (٨١)، كتاب: الإيمان، باب: بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) انظر: "صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -" لابن القيم (ص: ٢١٠ - ٢١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>