إلى "دمشق"، ثم سافر بعد السبعين إلى "أصبهان"، وكان قد خرج إليها وليس معه إلا قليلُ فُلوس، فسهل اللهُ له من حَمَلَه وأنفقَ عليه، حتى دخل "أصبهان"، وأقام بها مدة، وسمع بها الكثير، وحصل الكتبَ الجيدةَ، ثم رجعَ وسمع بهمدان من عبد الرزاق بن إسماعيل الفرماني، والحافظ أبي العلاء، وغيرهما، وبأصبهان من الحافظين أبي موسى المديني، وأبي سعد الصائغ، وطبقتهما، وسمع بالموصل من خطيبها أبي الفضل الطوسي، وكتب بخطه المتقن ما لا يوصف كثرةً، وعاد إلى "دمشق"، ولم يزل ينسخ ويصنفُ ويحدثُ ويفيدُ المسلمين ويعبدُ الله - تعالى -، حتى توفاه الله على ذلك.
وقد صنف في فضائل الحافظ وسيرته: الحافظُ ضياءُ الدين في جزأين، وذكر أن الفقيهَ مكي بنَ عمرَ بنِ نعمةَ المصريَّ جمع فضائله أيضاً.
قال الحافظ الضياءُ: كان شيخُنا الحافظُ لا يكادُ أَحد يسأله عن حديث إلا ذكره، وبينه، وذكر صحته أو سقمَه، ولا يُسأل عن رجل إلا قالَ: هو فلان بن فلان الفلاني، ويذكر نسبه.
قال الحافظُ ابنُ رجبٍ: قال الحافظُ الضياء: كان الحافظُ عبدُ الغني أميرَ المؤمنين في الحديث.
قال: وسمعتُ شيخَنا الحافظَ عبدَ الغني يقول: كنت يوماً بأصبهان عندَ الحافظ أبي موسى، فجرى بيني وبين بعض الحاضرين منازعةٌ في حديث، فقال: هو في "صحيح البخاري"، فقلت: ليس هو فيه، قال: فكتب الحديثَ في رقعة، ورفعها إلى الحافظ أبي موسى يسأله عنه، قال: فناولني الحافظ أبو موسى الرقعةَ، وقال: ما تقول هل هذا الحديث في البخاري أم لا؟ فقلت: لا، فخجل الرجل وسكت.