للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(قال: خسفت الشمس) استعمل الخسوف في الشمس -كما تقدم- (في زمان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-)، أي: في وقت حياته، (فقام فزعًا) الفزع: الخوف (يخشى) -صلى اللَّه عليه وسلم-، أي: يخاف (أن تكون الساعة) العظمى؛ أي: القيامة، وذلك أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان لم يزل يديم المراقبة، ويخشى أن تبغته الساعة؛ لأنها تأتي بغتة؛ فإذا حصل تغير في بعض العلويات، تخوف أن يكون أمام انتقاض انتظام هذا العالم، أو من مقدمات نزول عذاب وانتقام، كل ذلك من دوام المراقبة لفعل اللَّه، وتجريد الأسباب العادية عن تأثيرها في مسبباتها؛ فينبغي الاقتداء بسنته، والنهج على طريقته من الخوف عند وقوع التغيرات العلوية.

فإن قلت: قد ذكر أصحاب الحساب من المنجمين لكسوف الشمس والقمر أسبابًا عادية، حتى إنهم يخبرون: بأنه يحصل الكسوف للشمس أو القمر في الزمن الفلاني، فيقع على وفق ما أخبروا؟!

وقد قال ابن هبيرة: ما يدعيه المنجمون من أنهم يعرفون ذلك -أي: الكسوف- قبل كونه، من طريق الحساب، فلا يختص بهم دون غيرهم ممن يعرف الحساب، بل هو مما إذا حسبه الحاسب عرفه، وليس مما يدل على أنهم يختصون فيه، مما يجعلونه حجة في دعواهم على الغيب مما تفرد اللَّه سبحانه بعلمه؛ فإنه لا دلالة لهم على ذلك، ولا فيما تعلقوا به من هذا الاحتجاج على ما أرهجوا به، انتهى (١).

وإذا كان ذلك بأسباب عادية، من حيلولة كورة الأرض بين الشمس والقمر، أو بين الشمس وما يكسفها، فقد يعتقد معتقد أن ذلك ينافي قوله: يخشى أن تكون الساعة، وكذا ينافي قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يخوف بهما"؛ أي: بكسوف الشمس والقمر - "عباده".


(١) نقله ابن مفلح في "الفروع" (٢/ ١٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>