للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: هذا اعتقاد فاسد، ووهم باطل، لأن للَّه تعالى أفعالًا على حسب الأسباب العادية، وأفعالًا خارجة عن تلك الأسباب؛ فإن قدرته تعالى حاكمة على كل سبب ومسبب، فيقتطع ما شاء من الأسباب والمسببات بعضها عن بعض، ويخلفها عنها.

وإذا كان كذلك، فأصحاب المراقبة للَّه تعالى ولأفعاله الذين عقدوا بصائر قلوبهم بوحدانيته، وعموم قدرته، على خرق العادة، واقتطاع المسببات عن أسبابها بعضها عن بعض، إذا وقع شيء غريب حدث عندهم الخوف؛ لقوة اعتقادهم في فعل اللَّه تعالى ما شاء، وذلك لا يمنع أن يكون ثم أسباب تجري عليها العادة، إلى أن يشاء اللَّه تعالى خرقها؛ ولهذا كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عند اشتداد هبوب الريح يتغير، ويدخل ويخرج، خشية أن تكون كريح عاد، وإن كان هبوب الريح موجودًا في العادة (١).

والمقصود: أن ما ذكره أهل الحساب؛ من أن سبب الكسوف حيلولة كورة الأرض، لا ينافي كون ذلك مخوفًا لعباد اللَّه تعالى.

وفي "مختصر الفتاوى المصرية": وحديث الكسوف حيث أخبر: "أن اللَّه يخوف بهما عباده، وأنهما لا يخسفان لموت أحد، ولا لحياته"، وإن كان موت بعض الناس قد يقتضي حدوث أمر في السموات؛ كما في الصحاح: "أن عرش الرحمن اهتز لموت سعد بن معاذ" (٢).

قال: وأما كون الكسوف، أو غيره قد يكون سببًا لحادث في الأرض؛


(١) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (٢/ ١٣٧).
(٢) رواه البخاري (٣٥٩٢)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب سعد بن معاذ -رضي اللَّه عنه-، ومسلم (٢٤٦٦)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل سعد بن معاذ -رضي اللَّه عنه-، من حديث جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه-.

<<  <  ج: ص:  >  >>