للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وارتفاع الحدث به، فكذلك في المعطوف عليه، مع أنه لا بد من تخصيص حديث أبي هريرة بدليل ما لا يمكن نزحُه، وما لا تبلغ إليه حركة النجاسة فهو متروك العموم بالإجماع، وإذا لم يكن بد من تخصيصه وتقييد عمومه، فبالقلتين المنصوص عليهما أولى مما لم يرد به نص ولا إجماع، ولأنه لو تساوى الحديثان، لوجب العدولُ إلى القياس على سائر المائعات، والله الموفق.

الثاني: النهي ضد الأمرِ، وصيغة (لا) حقيقة في دلالتها على التحريم؛ نحو قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩]، {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: ٣٢]، {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا} [آل عمران: ١٣٠]، {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: ٢٩]، ولا تصرف عن حقيقتها إلا بقرينة، وحمله الإمام مالك على الكراهة؛ ليصح حكمُ الحديث في القليل والكثير غير المستثنى بالاتفاق وهو المستبحر، مع حصول الإجماع على تحريم الاغتسال بعد تغير الماء بالبول، فهذا لا يلتفت على حمل اللفظ الواحد على معنيين مختلفين، وهي مسألة أصولية، وقد يقال على هذا: إن حالة التغير مأخوذة من غير هذا اللفظ، فلا يلزم استعمالُ اللفظ الواحد في معنيين، وهذا متجه، إلا أنه يلزم منه التحريم في هذا الحديث، فإن جعلنا النهي التحريم، كان استعماله في الكراهة والتحريم استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه، والأكثرون على منعه، قاله ابن دقيق العيد (١).

الثالث: لا خصوصيةَ للنهي عن الغسل من الماء الدائم الذي بال فيه، بل الوضوء في معناه، وقد ورد مصرَّحاً به في رواية من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: "لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ في الماءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ"


(١) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق العيد (١/ ٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>