للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: "لا تَقَدَّموا" -بفتح التاء والدال-، أصله: تتقدموا، فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا؛ أي: لا تتقدموا الشهر بصوم تعدُّونه منه احتياطًا حيث لم تكن في السماء علةٌ من غيم أو قتر؛ خلافًا للروافض الذين يرون تقديمَ الصوم على الرؤية (١).

ولكراهة التقدم معان:

أحدها: خوفًا من أن يُزاد في رمضان ما ليس منه، كما نُهي عن صيام يوم العيد لذلك؛ حذرًا مما وقع فيه أهلُ الكتاب في صيامهم، فزادوا فيه بآرائهم وأهوائهم.

وخرج الطبراني عن عائشة -رضي اللَّه عنها-: أنّ ناسًا كانوا يتقدمون الشهرَ، فيصومون قبل النّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأنزل اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (٢) [الحجرات: ١].

الثّاني: الفصلُ بين صيام الفرض والنفل؛ فإن جنس الفصل بين الفرائض والنوافل مشروع، ولذا نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يوصل صلاة مفروضة بصلاة حتّى يفصل بينهما بسلام، أو كلام، خصوصًا سنة الفجر.

الثالث: أنّه للتقوي على صيام رمضان؛ فإن مواصلة الصّيام تُضعف عن صيام الفرض، فإذا حصل الفطر قبله بيوم أو يومين، كان أقرب إلى التقوِّي على صيام رمضان، وفيه نظر؛ لعدم الكراهة بالتقدم أكثرَ من ذلك، وبصيام الشهر كله، وهو أبلغ في معنى الضعف، نعم الفطرُ بنية التقوي على صيام رمضان حسنٌ لمن أضعَفَته مواصلةُ الصّيام، ومن هذا قولُ بعض الصّحابة:


(١) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (٢/ ٢٠٤).
(٢) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (٢٧١٣)، وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان" (٢/ ٣٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>