للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أن يراد أجرُ تلك الأفعال التي فعلوها، والمصالحِ التي جرت على أيديهم، ولا يراد مطلقُ الأجر على سبيل العموم.

والثاني: أن يكون أجرهم بلغ في الكثرة بالنسبة إلى أجر الصوام مبلغًا ينغمر فيه أجرُ الصوم، فتحصل المبالغةُ بسبب ذلك، ويجعل كأن الأجر كله للمفطر، وهذا قريب مما يقوله بعض الناس في إحباط الأعمال الصالحة ببعض الكبائر من أن ثواب ذلك العمل يكون مغمورًا جدًا بالنسبة إلى ما يحصل من عقاب الكبيرة، فكأنه كالمعدوم المحبط، وإن كان الصوم هاهنا ليس من المحبَطات، غير أن المقصود إنما هو التشبيهُ في أن ما قَلَّ جدًا قد يُجعل كالمعدوم مبالغةً، ونظير هذا في الحسيات ما يحصل من الألم بمعاطاة الأدوية الكريهة لإزالة الأمراض العظيمة؛ فإن ألم الدواء يقع مغمورًا بما ينشأ عنه من صحة الجسد، ودفعِ تلك الأمراض الوخيمة، واللَّه أعلم (١).

ولفظ البخاري عن أنس -رضي اللَّه عنه-: كنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أكثرُنا ظلًّا الذي يستظل بكسائه، فأما الذين صاموا، فلم يعملوا شيئًا، وأما الذين أفطروا، فبعثوا الركاب، وامتهنوا وعالجوا، فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ذهب المفطرون"، فذكره، وليس المراد نقصَ أجر الصوام، بل المراد أن المفطرين حصل لهم أجرُ عملهم، ومثلُ أجر الصوام بتعاطيهم أشغالَهم وأشغالَ الصوام، فلذلك قال: بالأجر كله؛ لوجود الصفات المقتضية لتحصيل الأجر منهم.

قال ابن أبي صفرة: أجر الخدمة في الغزو أعظمُ من أجر الصيام (٢).


(١) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (٢/ ٢٢٧).
(٢) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (٦/ ٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>