للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَيٌّ تقديره: فقال لي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنت الذي تقول: واللَّهِ لأصومنَّ النهار" إلخ (١)؟

ولمسلم: "آنت الذي تقولُ ذلك؟ " (٢)، فقلت له: (قد قلتُه بأبي أنت وأمي)؛ أي: أفديك بهما، (قال: فإنَّكَ لا تستطيعُ ذلك) الذي قلتهَ من صيام النهار وقيام الليل؛ لحصول المشقة، وإن لم يتعذر الفعل، أو إنك تبلغ من العمر ما يتعذر معه ذلك، وعلِمه -صلى اللَّه عليه وسلم- بطريق ما، أو أن المراد: لا تستطيع ذلك مع القيام ببقية الحقوق والمصالح الشرعية شرعًا (٣)، (فصم وأفطر) -بهمزة قطع- أمرُ إرشاد، (ونم) من الليل، (وقم) منه، ثم بين ما أجمل، فقال: (وصُمْ من الشهر) الهلالي (ثلاثةَ أيام)، لم يعينها، ثم علل وجه كونها ثلاثة بقوله: (فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك)؛ أي: حيث كانت الحسنة بعشر أمثالها (مثلُ صيام الدهر)؛ أي: مثلُ صيام الدهر من غير تضعيف الحسنات؛ فإن ذلك التضعيف مرتب على الفعل الحسي الواقع في الخارج، والحامل على هذا التأويل: أن القواعد تقتضي أن المقدَّر لا يكون كالمحقَّق، وأن الأجور تتفاوت بحسب تفاوت المصالح، أو المشقة في الفعل، فكيف يستوي مَنْ فعلَ الشيء بمن قدر فعله له؟ فلأجل ذلك قيل: إن المراد: أصلُ الفعل في التقدير، لا الفعلُ المرتَّب عليه التضعيفُ في التحقيق، وهذا لا يختص بهذا الفعل، بل بغيره، بل هو أنه أخذ صيام بعض الأيام المفضلة، وقيام بعض الليالي مما جاء: "من صامَ يومَ كذا، كان كمن صام شهرًا، ومن قام ليلة كذا، فكأنه قام سنة"، أو نحو ذلك (٤).


(١) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (٣/ ٤٠٥).
(٢) تقدم تخريجه عند مسلم برقم (١١٥٩/ ١٨١).
(٣) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (٣/ ٤٠٥)، نقلًا عن "شرح العمدة" لابن دقيق (٢/ ٢٣٨).
(٤) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (٢/ ٢٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>