وأمّا عمرُو بنُ سعيدٍ الأشدقُ، فقتله عبدُ الملك بن مروان.
ولمّا ماتَ سعيدٌ والدُ عمرٍو، دخل عمرو على معاويةَ، فاستنطقه معاويةُ، فقال عمرو: إنّ أوّل مركبٍ صعب، وإنّ مع اليوم غدًا، فقال له معاوية: إلى من أوصى بك أبوك؟ فقال: إنّ أبي أوصاني، ولم يوص بي، فقال: فأيّ شيءٍ أوصاك؟ قال: أَلَّا يفقد منه أصحابُه غيرَ شخصه.
قال البرماوي: لمّا قُتل الحسينُ بنُ عليٍّ -رضوان اللَّه عليهما-، كان عمرٌو واليًا على المدينة، فبعث إليه يزيدُ برأس الحسين، فكفنَه، ودفنه بالبقيع بجنب قبرِ أمّه -عليهما السّلام-.
وكان عمرٌو هذا أحبَّ الناسِ إلى أهل الشّام، وكانوا يسمعون له، ويطيعون.
فلمّا وُلي عبدُ الملك بنُ مروان الخلافة، خافه، وقد كان عمرو غالطه، وتحصّن بدمشق، ثمّ فتحها له، وبايعه بالخلافة، فلم يزل عبد الملك رصدًا له لا يأمنه حتّى بعث إليه يومًا خاليًا، فعاتبه على أشياء قد عفاها عنه، ثمّ وثب عليه فقتله، في قصّة مطوّلة.
وكان عمرٌو جبّارًا شديدَ البأس، وكان يسمى: لطيمَ الشّيطان.
وهو الذي خطب على منبر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فرعفَ حتّى سالَ الدّم إلى أسفله، فعرف لأجل ذلك معنى حديث النّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي يروى عنه:"كأنّي بجبارٍ من بني أميّة يَرْعَفُ على منبري حتّى يسيلَ الدَّمُ إلى أسفله"، أو كما قال -صلى اللَّه عليه وسلم- (١).
(١) رواه الإمام أحمد في المسند (٢/ ٥٢٢)، والحارث بن أبي أسامة في "مسنده" (٦١٧)، وغيرهما عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- بلفظ: "ليرعفنَّ على منبري جبار من جبابرة بني أمية يسيل رعافه".