للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمراد هنا: تبليغُ حرمةِ مكّة، وعدمِ إباحة القتال فيها، ويشمل بعمومه تبليغَ الأحكام الشّرعية.

والظاهر: أنّ لفظة "إلى" مقدّرة؛ أي: فليبلّغ الشّاهد إلى الغائب ما شرعه اللَّه على لسان نبيّه.

وفيه من الفقه: أنّ العالم واجب عليه تبليغُ العلم بلسانه، أو بقلمه بالكتابة لمن لم يبلغه، وتفهيمه من لا يفهمه، وحفظُ الكتاب والسّنة من التّحريف والتّصحيف، واستنباطُ الأحكام الشّرعية لمن بلغه، وإظهارُهُ لمن لا يدركه (١).

(فقيل لأبي شريح) المذكورِ: (ما قالَ لكَ) عمرو المذكور، وهو أنّ مكّة حرّمها اللَّه إلى آخره في الجواب؟ فقال: (قال) عمرو الأشدق: (أنا أعلمُ بذلك)؛ يعني: بحرمة مكّة وتحريمها (منك يا أبا شريح)؛ يعني: إنك والٍ صحَّ سماعُك، وعلمت محبتك، فلم تفهم المراد من الحديث (إنّ الحرمَ لا يُعيذُ) -بضم المثنّاة تحت وبالذال المعجمة-؛ أي: لا يجير (عاصيًا) يشير إلى عبد اللَّه بن الزّبير -رضي اللَّه عنهما-؛ لأنّ عمرَو بنَ سعيد الأشدق كان يعتقد أنّه عاصٍ بامتناعه عن امتثال أمرِ يزيد؛ لأنّه كان يرى وجوبَ طاعته، لكنها دعوى من عمرٍو مجردّة عن الدّليل؛ لأنَّ ابنَ الزّبير -رضي اللَّه عنه- لم يفعلْ ما يوجبُ استحلالَ دمه، وذلك أنّ ابنَ الزّبير -رضي اللَّه عنهما- امتنعَ من مبايعة يزيدَ بنِ معاوية، واعتصمَ بالحرم.

وكان عمرو واليَ يزيدَ على المدينة -كما تقدّم-.

والقصة مشهورة، وملخَّصُها كما في "الفتح": أَنّ معاويةَ عهدَ بالخلافة


(١) انظر: "فيض القدير" للمناوي (٥/ ٣٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>