للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد روي من حديث طاوس: أن عليًا - رضي الله عنه - سأل النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن الفسخ: لمدتِنا هذه، أم للأبد؟ رواه ابنُ بطةَ مرسلًا من وجه، ومسنَدًا من آخر (١).

وقد قيل: إن الفسخ كان على الذين أمرهم النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - واجبًا، فإنَّه في أثناء الطريق خَيَّرَهم بين أن يفسخوا، أو يجعلوها عمرةً، وبين أَلَّا يفسخوا، فلما قدم مكّة، ألزمهم به؛ لئلا تفوتَ المصلحةُ بتركه، فإن الفسخ حصل لهم به أفضلُ أنواع النسك، وحصلت به العمرةُ لمن كان مفرِدًا، ولأنهم استعظموه، فلو لم يُلْزمهم به، لما فعلهَ منهم أحدٌ، فإن ثبت الحديثُ المرفوع في اختصاصهم به، فإنما كانوا مختصين بوجوبه ولزومه، لا بجوازه، فأما قولُ أبي ذر، فلو ثبت، لم يكن حجةً؛ لأنه من رأيه، وقول من قال: كان المقصود منه جوازَ بيان العمرة في أشهر الحجّ باطلٌ لوجوه (٢):

أحدها: أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قد اعتمر قبلَ ذلك ثلاثَ عُمَرٍ، واعتمرَ معه أصحابهُ، وكلُّها كانت في أشهر الحجّ.

الثاني: أن جواز العمرة في أشهر الحجّ قد بَيَّنه لهم عندَ الإحرام بقوله: "مَنْ شاءَ منكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، فَلْيَفْعَلْ، ومَنْ شاءَ منكمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ، فَلْيَفْعَلْ"، وقد أهلَّ بعضُهم حينئذ بعمرة، وبعضُهم بحج وعمرة، كما قالت عائشة - رضي الله عنها -، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان قارِنًا أهلَّ بعمرةٍ وحجٍّ، كما قال ابن عمر، وأنس، وغيرهما.


(١) وانظر: "شرح العمدة" لشيخ الإسلام ابن تيمية (٢/ ٥٠٨).
(٢) انظر هذه الوجوه مفصلة في: "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام ابن تيمية (٢٦/ ٥٥) وما بعدها، و"زاد المعاد" لابن القيم (٢/ ٢١٣) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>