الثالث: أنَّه أمر بالفسخ من لم يسق الهديَ، ونهى مَنْ ساقَ الهديَ عنه، ولو كان الفسخ في الأصل محرمًا، وإنما أبيح لهم في ذلك العام، ليبين جواز الاعتمار في أشهر الحجّ، لاستوى مَنْ ساق الهدي ومن لم يَسُقه.
الرابع: أن جواز الاعتمار في أشهر الحجّ كان يحصل بمجرد قوله، وبفعل بعضهم، لا يحتاج إلى أمرِهم كلِّهم، والغضبِ على من لا يفعلُه، فلما ألزمَهم كلَّهم به، دلَّ على أن الفسخ هو المقصود.
وإذا قيل بجواز الفسخ أيضًا، كان بعلمِ مَنْ أمرهم به، وفعلِ بعضهم.
فالجواب: كان في الفسخ مقصدان:
* أحدهما: مشروعيته للأمة.
* والثاني: تحصيل أفضل أنواع الجمع بين الحجّ والعمرة في سفرة واحدة لأصحابه، وهذا لم يكن يحصل بدون إلزامهم به.
الخامس: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أمر بالفسخ كلَّ من لم يكن معه هديٌ، وقد كان فيهم مَنْ هو قارن قد أهلَّ بحج وعمرةٍ، وهو - صلى الله عليه وسلم - كان قارِنًا، وقد تأسَّف على فوات الفسخ، فلو كان المقصود بيانَ جواز الاعتمار في أشهر الحجّ، فاعتمارُهُ يظَهر للناس؛ لأنه يُهل بالعمرة والحجِّ جميعًا.
السادس: أن الفسخ لو قدر أنَّه شُرع لبيان مخالفة ما كان عليه المشركون، فإنَّه يصير شرعًا لأمته دائما، فإنَّ كل ما خالف فيه المشركين في أمر الحجّ، فهو إما واجب، كالوقوف بعرفة، والإفاضة منها بعد الغروب، وإما مستحبٌّ، كالإفاضة من جَمْعٍ قبل طلوع الشمس، ولهذا قال:"خالفَ هَدْيُنا هَدْيَ المشركينَ"(١).