للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما شرعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته الرَّمَلَ، وفعلَه، ليرى المشركون قوةَ المؤمنين وجَلَدَهم، فكأَن المقصودَ به نوع من أنواع الجهاد، ثمّ صار سنةً في الحجّ بعدَ ذهاب المشركين، فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - رَمَلَ في حجة الوداع بعدَ الفتح، ورَمَلَ بعده الخلفاءُ الراشدون، ولهذا قال عمر: ففيمَ الرملان والكشفُ عن المناكب، وقد نفى الله الشركَ وأهلَه؟ ثمّ قال: لن ندعَ شيئًا فعلناه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (١).

وأما قولهم: إن الخلفاء الراشدين لم يفسخوا، ولم يأمروا النّاس بالفسخ.

فالجواب: أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إنما حجَّ بالناس حجةً واحدة، وقال لهم: "خُذُوا عَنِّي مَناسِكَكُمْ، فَلَعَلِّي لا أَلْقاكُمْ بعدَ عامي هَذا" (٢)، فلهذا اختار لهم في تلك الحجة أفضلَ أنواع الجمع بين النسكين في سفرة واحدة، ليحصل لهم معه الحجُّ على أكمل الوجوه الممكنة، ويأخذوا مناسكهم عنه، وأما الخلفاء الراشدون، فكانت أيامُهم ممتدةً، فكانوا يأمرون النّاس بأفضلِ أنواع الحجّ والعمرةِ مطلقًا، وهو إفرادُ كلٍّ منهما بسفرة، والاعتمار في غير أشهُرِ الحجّ، فإنَّ ذلك أفضلُ أنواع الحجّ والعمرة مطلقًا، كما نص على ذلك الأئمة، وذكره بعضُهم اتفاقًا، وحينئذ فعمرُ وعثمانُ وغيرُهما اقتدوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في أمر النّاس بأفضل أنواع النسك، وإلزامِهم لهم بذلك، لا لأنهم خالفوه في أمره بالتمتُّع كما يظن مَنْ لا يفهم حالهم.


(١) رواه أبو داود (١٨٨٧)، كتاب: المناسك، باب: في الرمل، وابن ماجه (٢٩٥٢)، كتاب: المناسك، باب: الرمل حول البيت، والإمام أحمد في "المسند" (١/ ٤٥).
(٢) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>