للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التحللين، ثم نظر في هذا المأخذ بأنه لا يلزم من كون الشيء نسكًا أن يكون من أسباب التحلل.

قال: ومالكٌ يرى أن الحلق نسك، ويرى مع ذلك أنه لا يقدم على الرمي، إذ معنى كون الشيء نسكًا: أنه مطلوب مثاب عليه، ولا يلزم من ذلك أن يكون سببًا للتحلل.

قال: ونقل عن أحمد: أنه إن قدم بعض هذه الأشياء على بعض، فلا شيء عليه إن كان جاهلًا، وإن كان عالمًا، ففي وجوب الدم روايتان.

قال: وهذا القول في سقوط الدم عن الجاهل والناسي دون العامد قويٌّ من جهة أن الدليل دلَّ على وجوب اتباع أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحج بقوله: "خُذُوا عَنِّي مَناسِكَكُمْ" (١)، وهذه الأحاديث المرخِّصة في التقديم لما وقع السؤال عنه إنما قرنت بقول السائل: لم أشعر، فيختص الحكم بهذه الحالة، وتبقى حالة العمد على أصل وجوب اتباع الرسول في أعمال الحج، وحينئذ يحمل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا حَرَجَ" على نفي الإثم في التقديم مع النسيان، ولا يلزم من نفيِ الإثم نفيُ وجوب الدم، لكن يشكل على هذه أن تأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع، والحاجة تدعو إلى بيان هذا الحكم، فلا يؤخر عنها بيانه، ولم يأت أنه - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ مَنْ سأله بدم.

فإن قيل: لا يلزم من تركه لذكره في الرواية تركُ ذكره في نفس الأمر.

قلنا: على مدعي ذلك الإثبات، وأنَّى له به (٢)؟

وأما مجرد الدعوى، فلا التفات إليها، فكل حد يقدر على مثل ذلك، والله أعلم.


(١) تقدم تخريجه.
(٢) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (٣/ ٧٩ - ٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>