للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال صاحب "المصابيح": إن ثبت أن ما أورده البخاري ومسلم في هذا الباب كان في عام الحديبية، حَسُنَ التفسيرُ بذلك، وإلا، فلا، إذ لا يلزم من كون عثمانَ وأبي قتادة قصرا في عام الحديبية أن يكونا قَصَّرا في غيره (١).

(قال) - صلى الله عليه وسلم - ثانيًا: (اللهمَّ ارحمِ المحلِّقين، قالوا: يا رسول الله!) قل: (و) ارحم (المقصرين)، فـ (قال: و) ارحم (المقصرين) بالعطف على محذوف، ومثلُه يسمى بالعطف التلقيني (٢)، كقوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [البقرة: ١٢٤]. قال الزمخشري في "كشَّافه": ومن ذريتي عطفٌ على الكاف، كأنه قال: وجاعلٌ بعضَ ذريتي، كما يقال: سأكرمك، فتقول: وزيدًا، انتهى (٣).

وتعقبه أبو حيان: بأنه لا يصحُّ العطف على الكاف؛ لأنها مجرورة، فالعطف عليها لا يكون إلا بإعادة الجار، ولم يُعَدْ؛ لأن "من" لا يمكن تقديرُ الجار مضافًا إليها؛ لأنها حرف، فتقديرها بأنها مرادفة لبعض حتى يقدر "جاعل" مضافًا إليها لا يصح، ثم قال: والذي يقتضيه المعنى أن يكون {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} متعلقًا بمحذوف، والتقدير: واجعل من ذريتي إمامًا؛ لأن إبراهيم -عليه السّلام- فهم من قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: ١٢٤]


= قلت: وهو في "مسند الإمام أحمد" (٣/ ٨٩) من حديث أبي سعيد الخدري أيضًا، فالعزو إليه أولى.
(١) نقله القسطلاني في "إرشاد الساري" (٣/ ٢٣٥).
(٢) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (٣/ ٢٣٤)، نقلًا عن "الفتح" للحافظ ابن حجر (٣/ ٥٦٢).
(٣) انظر: "الكشاف" للزمخشري (١/ ١٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>