للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنت؟ قلت: نعم، قال: النسكُ لا يُشارَط عليه، اجلس، فجلست منحرفًا عن القبلة، فقال لي: حَوِّلْ وجهَكَ إلى القبلة، فحوَّلته، وأردت أن أحلق رأسي من الجانب الأيسر، فقال: أَدِرِ الشقَّ الأيمنَ من رأسك، فأدرتُه، وجعل يحلق وأنا ساكتٌ، فقال لي: كَبِّرْ، فجعلتُ أكبر حتى قمتُ لأذهبَ، فقال لي: أين تريد؟ قلت: رحلي، قال: صلِّ ركعتين، ثم امضِ، فقلت: ما ينبغي أن يكون ما رأيت من عقل هذا الحجام، فقلت له: من أين لكَ ما أمرتني به؟ فقال لي: رأيتُ عطاءَ بنَ أبي رباحٍ يفعل ذلك (١).

تنبيهات:

الأول: حديثُ أبي هريرة يدلُّ على أن دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمحلقين بالمغفرة كان في حجة الوداع؛ لأنه لم يكن قدم على النّبي - صلى الله عليه وسلم - عامَ الحديبية؛ لأن الحديبية في السادسة، وهو إنما قَدِمَ على النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في السابعة، لكنْ لم يصرح أبو هريرة بسماعه من النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فاحتمل الأمرين، لإمكان سماعه مِمَّنْ حضرَ الحديبية، وحذفه له، ولو صرح بالسماع، لتعين كونه في حجة الوداع (٢).

الثاني: تقدم أن الحلق أو التقصير نسكٌ، لا استباحةُ محظور، ويرشد لهذا الدعاءُ لفاعله بالرحمة، والدعاءُ ثواب، والثوابُ إنما يكون على العبادات، لا على المباحات، ولتفضيله أيضًا على التقصير، إذ المباحات لا تتفاضل، ولا تحلُّلَ للحج والعمرة بدونه كسائر أركانها إلا لمن لا شعر برأسه، فيتحلل منهما بدونه، فلا يؤمر به بعد نبات شعره.

وهو عندنا كالحنفية واجبٌ، وعند الشافعية من الفروض، وأقلُّ


(١) انظر: "مثير العزم السكن" لابن الجوزي (ص: ١٢٧).
(٢) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (٣/ ٥٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>