للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصرح مسلم في رواية له عن ابن عباس - رضي الله عنهما - بالرفع فيه، ولفظه: كان الناسُ ينصرفون في كلِّ وجه، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَنْفِرَنَّ أَحَدُكُمْ حَتَّى يكونَ آخرُ عَهْدِه بالبيتِ" (١)؛ أي: الطواف به، كما رواه أبو داود (٢)، (إلا أنه خُفِّفَ عن [المرأة] الحائض)، فلم يجب عليها، واستفيد الوجوب على غيرها من الأمر المؤكَّد، والتعبير في حق الحائض

بالتخفيف، والتخفيف لا يكون إلا لأمر مؤكد (٣).

قال في "فتح القدير": لا يقال أمر ندب بقرينة المعنى، وهو أن المقصود الوداع؛ لأنا نقول: ليس هذا يصلح صارفًا عن الوجوب، لجواز أن يطلب حتمًا، لما في عدمه من شائبة عدم التأسف على الفراق، وعدمِ المبالاة به، على أن معنى الوداع ليس مذكورًا في النصوص، بل أن يجعل آخر عهدهم بالطواف، فيجوز أن يكون معلولًا بغيره مما لم نقف عليه، ولو سلم، فإنما تعتبر دلالة القرينة إذا لم يقم منها خلاف ما يقتضي مقتضاها، وهنا كذلك، فإن لفظ الترخيص يفيد أنه حتم في حق من لم يرخص له؛ لأن معنى عدم الترخيص في الشيء، هو تحتيمُ طلبه، إذ الترخيص فيه هو إطلاق تركه، فعدمه عدمُ إطلاق تركه (٤).

تنبيه: ظاهر كلام علمائنا: عدمُ وجوب طواف الوداع على الخارج من غير مكة، كمنى.


(١) تقدم تخريجه عند مسلم برقم (١٣٢٧/ ٣٧٩).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (٣/ ٢٥٢).
(٤) نقله الشارح -رحمه الله- عن القسطلاني في "إرشاد الساري" (٣/ ٢٥٢)، الذي نقله عن "فتح القدير" للكمال ابن الهمام (٢/ ٥٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>