ولا تُذَمّ، تسقي الحجيجَ الأعظم، وهي بين الفَرْثِ والدم، عندَ نُقْرَةِ الغرابِ الأعصم، وكان غرابٌ أعصمُ لا يبرح عند الذبائح مكان الفرث والدم، فغدا عبدُ المطلب بمعوله ومِسْحاته، معه ابنُه الحارث، وليس له يومئذ ولدٌ غيره، فجعل يحفر ثلاثةَ أيام حتى بدا له الطَّوِيُّ، فكبَّرَ وقال: هذا طويُّ إسماعيل، فقالت له قريش: أَشْرِكْنا فيه، قال: ما أنا بفاعل، شيءٌ خُصصت به دونكم، فاجعلوا بيني وبينكم مَنْ شئتم أحاكمْكُم إليه، فقالوا: كاهنةُ بني سعد، فخرجوا إليها، فعطشوا في الطريق حتى أيقنوا بالموت، فقال عبد المطلب: والله! لا يلقانا بأيدينا هكذا، العجزُ ألا نضرب في الأرض، فعسى الله أن يرزقنا ماء، فارتحلوا، وقام عبدُ المطلب إلى راحلته فركبها، فلما انبعثت به، انفجرت تحت خفها عينُ ماء عذبٍ، فكَبَّرَ عبدُ المطلب، وكَبَّرَ أصحابُه، وشربوا جميعًا، وقالوا له: قد قَضَى لكَ علينا الذي سقاك، فوالله! لا نخاصمك فيها أبدًا، فرجعوا، وخلوا بينه وبين زمزم (١).
ولم تزل ظاهرة إلى الآن.
الثالث: في فضائلها والشرب منها:
قال في "الفروع": ثم يشرب -يعني: الحاجَّ- من ماء زمزم لِما أحبَّ، ويتضَلَّع.
وفي "التبصرة": ويرشُّ على بدنه وثوبه.
وفي "الصّحيحين": قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر: "إنها مباركةٌ، إنها طعام