المقصود أنه إذا جاء بدراهم أو دنانير، أو حنطة أو تمر أو زبيب، ليبتاع به من جنسه أكثرَ منه أو أقل، فإنهما غالبًا يتشارطان ويتراضيان على سعر أحدهما من الآخر، ثم يقول بعد ذلك: بعتك هذه الدراهم بكذا وكذا دينارًا، ثم يقول: اصْرف لي بها كذا وكذا درهمًا كما اتفقا عليه أولًا، ويقول: بعتك هذا التمر بكذا وكذا درهمًا، ثم يقول: بعني به كذا وكذا تمرًا، فيكونان قد اتفقا على الثمن المذكور صورةً لا حقيقةً، ليس للبائع غرض في أن يُمَلِّكه، ولا للمشتري غرض في أن يَمْلِكه، وقد تعاقدا على أن يملكه البائع، ثم يعيده للمشتري، والعقد لا يعقد، لفسخ من غير غرض يتعلق بنفس وجوده، فإن هذا باطل.
والحاصل: أن المقاصد في العقود معتبرة، والأعمال بالنيات، فلا اعتبار بمن أخذ من هذا الحديث تجويزَ الحيل، وفتحَ باب الذرائع، وذلك أن كلام الشارع إنما يُحمل على البيع الحقيقي، لا على صورة بيع لا حقيقة لها في نفس الأمر، كما أشار إليها شيخ الإسلام -قدس الله روحه-، فإن هذا لو كان مشروعًا، لم يكن في تحريم الربا حكمة إلا تضييع الزمان، وإتعاب النفوس بلا فائدة، فإنه لايشاءُ شاءٍ أن يبتاع ربويًا بأكثر منه من جنسه إلا قال: بعتُك هذا بكذا، وابتعت منك هذا بهذا التمر، فلا يعجز أحدٌ عن استحلال ربًا حرَّمه الله سبحانه قط، فإن الربا في البيع نوعان: ربا الفضل، وربا النسيئة.
فأمَّا ربا الفضل: فيمكنه في كل ميكل ربوي أن يقول: بعتك هذا المال بكذا، ويسمي ما شاء، ثم يقول: ابتعت هذا المال الذي هو من جنسه.
وأمَّا ربا النسيئة: فيمكنه أن يقول: بعتك هذه الحريرة بألف درهم، أَو عشرين صاعًا إلى سنة، فابتعتها منك بسبع مئة حالَّة، أو خمسة عشر صاعًا،