للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونقل حنبل: لا يجوز أن يعود في صدقته، واحتج بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ترجع، ولا تشترها"، كلُّ ما كان من صدقة، فهذا سبيله، فإن رجع بإرث، جاز.

وظاهر كلامهم: له الأكل منه.

ونقل ابن الحكم فيمن يتصدق على قريبه بدارٍ أو خادمٍ أو شيءٍ: إن أكل منه قبل أن يرثه، فلا، قال عِمرانُ بنُ حصين: لا أُجيزه له (١).

تنبيه:

أورد ابن المنير على قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم" بأن الابتداء في النهي عادته أن يكون بالأخف أو الأدنى، كقوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: ٢٣]، ولا خفاء بأن إعطاءه إياه بدرهم أقربُ إلى الرجوع في الصدقة مما إذا باعه بقيمته، وبهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الحجة في الفصاحة.

وأجاب: بأن المراد: لا تغلب الدنيا على الآخرة، وإن وفرها معطيها، فإذا زهد فيها وهي موفرة، فلأن يزهد فيها وهي مقترة أحرى وأولى، فهذا على وفق القاعدةُ، انتهى (٢).

ثم علل النهي بالرجوع في صدقته بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (فإن العائد في هبته) التي وهبها لغيره وقبضها بإذنه (كالعائد في قيئه) الفاء للتعليل؛ أي: كما يقبح أن يقيء ثم يأكل قيئه، كذلك يقبح أن يهب شيئًا، أو يتصدق بشيء، ثم يرجع به، ويجره إلى نفسه بوجه بيع أو نحوه. (وفي لفظٍ) عند الشيخين: (فإن الذي يعود في صدقته) بعد أن تصدق بها وأقبضها لمن أخذها (كالكلب


(١) انظر: "الفروع" لابن مفلح (٢/ ٤٨٦ - ٤٨٧).
(٢) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (٣/ ٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>