للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولده، ومثلُ الذي يرجع في عطيته أو هبته كالكلب يأكل، فإذا شبع، قاء، ثم عاد في قيئه" رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وقال الترمذي: حديثٌ حسن صحيح (١).

ولا يخفى أن المقصود من هذه الأحاديث المبالغةُ في الزجر عن العودة في الصدقة، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من لعب بالنردشير، فكأنما غمس يده في لحم خنزير" (٢)، وأمثاله مما فيه مزيد الزجر والتحذير.

يرشدك حديث ابن عباس، وهو في "الصحيحين" وفي بعض طرق البخاري ما لفظه: عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليس لنا مثل السوء" مثل الذي يعود في هبته، كالكلب يرجعُ في قيئه" (٣)، فقوله: "ليس لنا مثل السوء" يعني: لا ينبغي لنا، يريد - صلى الله عليه وسلم - نفسه والمؤمنين أن نتصف بصفةٍ ذميمة يشابهنا فيها أخسُّ الحيوانات في أخسِّ أحوالها، وقد قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل: ٦٠]. ولا يخفى ظهور هذا المثل في تحريم الرجوع في الهبة والصدقة بعد إقباضها (٤).


(١) رواه أبو داود (٣٥٣٩)، كتاب: الإجارة، باب: الرجوع في الهبة، والنسائي (٣٦٩٢)، كتاب: الهبة، باب: رجوع الوالد فيما يعطي ولده، والترمذي (٢١٣٢)، كتاب: الولاء والهبة، باب: ما جاء في كراهية الرجوع في الهبة، ولم يروه ابن ماجة من حديث ابن عمر وابن عباس - رضي الله عنهم -.
(٢) رواه مسلم (٢٢٦٠)، كتاب: الشعر، باب: تحريم اللعب بالنردشير، من حديث بريدة - رضي الله عنه -.
(٣) رواه البخاري (٢٤٧٩)، كتاب: الهبة، وفضلها، باب: لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته.
(٤) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (٥/ ٢٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>