للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إنَّ الشّارع قد جوّز العقد في الإجارة على المنافع المعدومة، فلم لا يجوز على الثمرة المعدومة مع الحاجة؟

ثم إنّ القياس إنّما يكون في إلحاق المسكوت عنه بالمنصوص عليه والمجمع عليه، فأمّا إبطالُ نص، وخرقُ إجماع بقياس نصٍّ آخر، فلا سبيل إليه، وأما تخصيص ذلك بالنخل أو بالكرم، فيخالف عموم قوله: عاملَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أهلَ خيبر بشطرِ ما يخرج منها من زرعٍ أو ثمرٍ، وهذا عامٌّ في كلّ ثمر، ولا تكاد بلدة ذاتُ أشجار تخلو من شجرٍ غير النخيل.

وقد جاء في لفظِ بعض الأخبار: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - عاملَ أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من النخل والشجر، رواه الدارقطني (١)، ولانه شجر يثمر كلَّ حول، فأشبه النخل والكرم؛ ولأن الحاجة تدعو إلى المساقاة عليه كالنخل وأكثر، لكثرته، فأشبه النخل، ووجوب الزكاة ليس من العلة المجوزة للمساقاة، ولا أثر له فيه، وإنما العلّة ما ذكرنا.

وأما ما لا ثمر له، كالصفصاف والحور، أو له ثمر غير مقصود، كالصنوبر والأرز، فلا يجوز المساقاة عليه، وبه قال مالك والشافعي.

قال الشارح: ولا نعلم فيه مخالفًا؛ لأنه غير منصوص عليه، ولا هو في معنى المنصوص، اللهم إلا أن يكون يقصد ورقه أو زهره، كالتوت والورد، فالقيالس يقتضي جواز المساقاة عليه؛ لأنه في معنى الثمرة، لكونه مما يتكرر كل عام، ويمكن أخذه والمساقاة عليه بجزء منه، فيثبت له حكمه، انتهى (٢).


(١) رواه الدارقطني في "سننه" (٣/ ٣٧)، وقال: قال ابن صاعد -شيخ الدارقطني-: وهم -أي: يوسف بن موسى القطان أحد رواته- في ذكر الشجر، ولم يقله غيره.
(٢) انظر: "الشرح الكبير" لابن أبي عمر المقدسي (٥/ ٥٥٤ - ٥٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>