للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويستفاد منه: أنّ الذي لا يجد أهبة النكاح، وهو تائق إليه، يندب له التزويج، دفعًا للمحذور (١). (فليتزوج) دفعًا للمحذور، وتحصيلًا للمصلحة، فإنّ الله -سبحانه- اختار النكاح لأنبيائه ورسله، فقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: ٣٨]، وقال في حقِّ آدم: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: ١٨٩]، واقتطع من زمن كليمه

موسى -عليه السلام- عشر سنين في رعاية الغنم مهر الزوجة، ومعلوم مقدار هذه السنين العشر في نوافل العبادات، واختار لنبيّه وحبيبه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - أفضلَ الأشياء، فلم يحب له تركَ النكاح، بل زوّجه بعدة نساء، حتى إنه ماتَ عن تسعة من النساء، ولا هدي فوق هديه، ولو لم يكن في النكاح إلّا سرور النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم المباهاة بأمَّته، وأنّ الناكح لا ينقطع عمله بموته، وأنه يخرج من صلبه من يشهد لله بالوحدانية، ولرسوله بالرسالة، لكفاه (٢).

وقد نبه - صلى الله عليه وسلم - على بعض فوائد النِّكاح بقوله: (فإنه)؛ أي: التزويج، (أغَضُّ)؛ أي: أشدُّ غضًا (للبصر) عن إطلاقه فيما لا يحل له.

قال في "النهاية": غضَّ طرفه؛ أي: كسره، وأطرق، ولم يفتح عينه (٣).

وقال ابن هشام: غضُّ الطرف: عبارة عن ترك التحديق واستيفاء النظر، فتارةً يكون ذلك؛ لأن في الطرف كسرًا وفتورًا خلقيين، وهو المراد بقول كعب:

غَضِيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ (٤)


(١) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (٩/ ١٠٩).
(٢) انظر: "بدائع الفوائد" لابن القيم (٣/ ٦٧٩ - ٦٨٠).
(٣) انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (٤/ ٣٧١).
(٤) انظر: "ديوانه" (ص: ٨٤)، (ق ٢٣/ ٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>