وقد صنف شيخ الإسلام ابن تيمية -روَّحَ الله رُوحَه- في ذلك كتابه "بيان الدليل في إبطال التحليل"، قال فيه: نكاح المُحَلِّل حرام باطل لا يفيد الحل، وصورة ذلك: أن الرجل إذا طلّق امرأته ثلاثًا، فإنها تحرم عليه حتى تنكح زوجًا غيره كما ذكره -سبحانه- في كتابه، وجاءت به سنّة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأجمعت عليه أمته، فإذا تزوجها رجل بنيّة أن يطلقها لتحل لزوجها الأول، كان هذا النكاح حرامًا باطلًا، سواء عزم بعد ذلك على إمساكها، أو فارقها، وسواء شُرط عليه ذلك في عقد النكاح، أو شرط عليه قبل العقد، أو لم يشرط عليه لفظًا، بل كان ما بينهما، من الخطبة، وحالِ الرجل والمرأة والمهر نازلًا بينهم منزلةَ اللفظ بالشرط، أو لم يكن شيء من ذلك، بل أراد الرجل أن يتزوجها ثمَّ يطلقها لتحلَّ للمطلِّقِ ثلاثًا من غير أن تعلم المرأة والأولياء شيئًا من ذلك، سواء علم الزوج المطلِّق ثلاثًا، أو لم يعلم، مثل أن يظن المحلِّل أن هذا فعل خير ومعروف مع المطلِّق وامرأته بإعادتها إليه، لما أن الطلاق أضرّ بهما وبأولادهما وعشيرتهما، ونحو ذلك، بل لا تحل للمطلِّق ثلاثًا أن يتزوجها حتى ينكحها رجلٌ مرتغبًا لنفسه نكاحَ رغبة لا نكاحَ دلسة، ويدخل بها بحيث تذوق عُسيلته، ويذوق عُسيلتها، ثمَّ بعد هذا إذا حدثت بينهما فرقة بموتٍ أو طلاقٍ أو فسخٍ، جاز للأول أن يتزوجها، ولو أراد هذا المحلل أن يقيم معها بعد ذلك، استأنف ذلك فإن ما معنى عقد فاسدٌ لا يباح المقام به معها؟
قال -رحمه الله-: هذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة، وهو المأثور عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعامةِ التابعين لهم بإحسانٍ، وعامةِ فقهاء الإسلام، مثل سعيدِ بن المسيب، والحسنِ البصري، وإبراهيمَ النخعيِّ، وعطاءِ بنِ رباح، وهؤلاء الأربعة أركان التابعين، ومثل أبي الشعثاء جابرِ بنِ