للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تنبيهات:

الأول: قال شيخنا العلامة الشهاب المنيني الحنفي (١): إن قلت: لم خولف الأسلوب السابق في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم جنبنا الشيطان"، وكان المطابقة له "وجنب ما رزقتنا الشيطان"؟

قلت: لما كانت بهمجانبة الشيطان من الدواعي متأتية بالاعتصام بهذا الدعاء وبغيره، أرشده - صلى الله عليه وسلم - إلى التوسل بإقدار الله -تعالى- عليه، ولما كان ما يُرْزَقه هذا الداعي لا تتأتى منه المجانبة في تلك الحالة إذ هو نطفة، أرشده - صلى الله عليه وسلم - إلى الدعاء بمجانبة الشيطان إياه؛ لأن المجانبة من طرفه غير متأتية.

فإن قلت: هلا غَيَّرَ الأسلوبَ الأول إلى الثاني، فتيطابق الأسلوبان، ويحصل المقصود -أيضًا-؛ لأن كل من جانبك فقد جانبته؟

قلت: لم يغير لنكتتين: إحداهما لفظية، والأخرى معنوية.

أما اللفظية، فتأتي [من] اتصال الضمير في "جنبنا"، إذ لا يعدل إلى الانفصال مع إمكان الاتصال.

وأما المعنوية: فلأن المجانبة لو كانت من قبل الشيطان بترك الوسوسة مثلًا، لم يكن للعبد في ذلك فضيلة ولا ثواب، بخلاف ما إذا كانت من طرف العبد، فإن فيها كفاية لنفسه عن متابعة الشيطان، وله في مباعدة نفسه عن متابعته ثواب، فهو يسأل الله -تعالى- أن يجعله مجانبًا له، ليأمن من غوائل موافقته ويُثاب على المجاهدة والمثابرة على مخالفته.


(١) انظر: ترجمته في مقدمة هذا الشرح الحافل.

<<  <  ج: ص:  >  >>