قلت: وقد مال في "الهدي" ميلًا كليًا إلى صحة كون المرأة إن رضيت بعلم زوجها أو حفظه للقرآن أو بعضه من مهرها، وأن ما يحصل لها من انتفاعها القرآن والعلم هو صداقها، كما إذا جعل السيد عتقَها صداقَها، وكان انتفاعُها بحريتها وملكها لرقبتها هو صداقها، فإن الصداق شُرع في الأصل حقًا للمرأة تنتفعُ به، فإذا رضيت بالعلم والدين وإسلام الزوج، كما في قصة أبي سليم وقراءته للقرآن، كان هذا من أفضلِ المهور وأنفعِها وأجلِّها، فما خل العقد من مهر، وأين الحكم بتقدير المهر بثلاثة دراهم أو عشرة من النص والقياس إلى الحكم بصحة كون المهر ما ذكرنا نصًا وقياسًا، وليس هذا مساويًا للموهوبة التي وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي خاصة له من دون المؤمنين، فإن تلك وبيت نفسها هبةً مجردة عن ولي وصداق، بخلاف هذه، فإنه نكاحٌ بولي وصداق، فإنه وإن كان غير مالي، فإن المرأة جعلته عوضًا عن المال، لما يرجع إليها من نفعه، ولم تهب نفسها للزوج هبة مجردة كهبة شيء من مالها، انتهى ملخصًا (١).
ومعتمد المذهب: أنه إن أصدقها تعليم قرآن، لم يصح، بل فقه أو أدب أو شعر مباح معلوم.
قال في "شرح الوجيز": كونه إذا أصدقها تعليم قرآن لا يصح؛ لأن الفروج لا تستباح إلا بالأموال، بدليل قوله -تعالى-: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ}[النساء: ٢٤]، والقرآن ليس بمال، ولأن تعليم القرآن من شرطه أن يقع قربة لفاعله، فلم تصح المعاوضة عليه، دليله إذا استأجر قومًا يصلون معه الجمعة والفرائض والتراويح.