للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلت: وكأنه أراد الإمام ابن القيم؛ لأنه قال في "الهدي" في جواب ابن مسعود - رضي الله عنه - من قوله: أشهد لَنزلت سورةُ النساء القصرى بعد الطولى إلى آخره.

قال الإمام ابن القيم: وهذا الجواب يحتاج إلى تقرير، فإن ظاهره: أن آية الطلاق مقدمة على آية البقرة، لتأخرها عنها، فكانت ناسخة لها، قال: ولكن النسخ عند الصحابة والسلف أعمُّ منه عند المتأخرين، فإنهم يريدون به ثلاثة معانٍ: أحدها: رفع الحكم الثابت بخطاب، الثاني: رفع دلالة الظاهر إما بتخصيص وإما بتقييد، وهو أعم مما قبله، الثالث: بيان المراد باللفظ الذي بيانه من خارج، وهذا أعم من المعنيين الأولين، فإن ابن مسعود - رضي الله عنه - أشار بتأخر نزول آية الطلاق إلى آية الاعتداد بوضع الحمل بأنها ناسخة لآية البقرة إن كان عمومها مرادًا، أو مخصِّصَةً إن لم يكن عمومُها مرادًا ومُبيِّنَةً للمراد منها، ومقيدة لإطلاقها، وعلى التقديرات الثلاث، فيتعين تقديمُها على عموم تلك وإطلاقها، قال: وهذا من كمال فقهه - رضي الله عنه -، ورسوخه في العلم (١)، انتهى.

فإن كان مراد الحافظِ ابنِ حجر ابنَ القيم، فلا يخفى ما في كلامه من المؤاخذة؛ لأن ابن القيم فصّل ذلك أتم تفصيل، فقدس الله روحه ما أجزل كلامه!

تنبيهان:

الأول: دل عموم حديث سبيعة مع قوله -تعالى-: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ


= إرادة ابن القيم في الكلام ثانيا، وفي فهم كلام ابن القيم ثالثًا، فإنه موافق لما قاله القرطبي، والعصمة لله وحده.
(١) انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (٥/ ٥٩٨ - ٥٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>