للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دخل ذات يوم مسرورًا تبرق أساريرُ وجهه، فقال: "ألم تري أنّ مجززًا المدلجيَّ نظر آنفًا إلى زيد بن حارثة، وأسامةَ بنِ زيد، وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما، وبدت أقدامُهما، فقال: إنّ هذه الأقدام بعضها من بعض"، فسُرَّ النبي بقول القائف، فلو كانت -كما يقول المنازعون- من أمر الجاهلية، كالكهانة ونحوها، لما سُرَّ بها، ولا أُعجب بها، ولكانت بمنزلة الكهانة.

قال: الإمام الشافعي: النبي - صلى الله عليه وسلم - أثبته علمًا، ولم ينكره، ولو كان خطأ، لأنكره؛ لأنّ في ذلك قذفَ المحصنات، ونفيَ الأنساب (١)، انتهى.

قال في "الهدي": فكيف والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد صرّح في الحديث الصحيح بصحتها واعتبارها، فقال في ولد الملاعنة: "إن جاءت به كذا وكذا، فهو لهلال بن أميّة، وإن جاءت به كذا وكذا، فهو لشريك بن سحماء"، فلما جاءت به على نعت الذي رُميت به، قال: "لولا الأيمان، لكان لي ولها شأن" (٢)، وهل هذا إلا اعتبارًا بالشبه، وهو عين القيافة، فإن القائف يتَّبع أثرَ الشبه، وينظر إلى من يفضل، فيحكم به لصاحب الشبه، وقد اعتبر النبي - صلى الله عليه وسلم - الشبه، وبيّن سببه، ولهذا قالت له أم سَلَمة: وتحتلمُ المرأة؟ فقال: "ممَّ يكون الشبه؟! " (٣)، وأخبر في "الحديث الصحيح": أنّ ماء الرجل إذا سبق ماء المرأة، كان الشبه له، وإذا سبق ماؤها، كان الشبه لها (٤)، فهذا اعتبارٌ منه للشبه شرعًا وقدرًا، وهذا أقوى ما يكون من طرق


(١) انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (٥/ ٤١٨).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>