للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعذيب زيادة على تعذيبهما بكفرهما وخطاياهما، وهو دليلٌ على أن الكافر يعذب بكفره وذنوبه جميعاً، وهذا اختيار أبي الحكم بن حيان.

وقيل: كانا مسلمينِ؛ لنفي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - التعذيب بسببٍ غيرِ السببين المذكورينِ، ولقوله: "وما يُعذبان في كبير"، والكفر والشرك أكبرُ الكبائر على الإطلاق، ولا يلزمُ أن يشفع النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لكل مسلمٍ يعذب في قبره من الحرام، فقد أخبر عن صاحب الشملةِ الذي قُتل في الجهاد: أن الشملة تشتعل عليه ناراً في قبره (١)، وكان مسلماً مجاهداً، ولا يعلم ثبوت هذه اللفظة، وهي قوله: "وكانا كافرين"، ولعلها لو صحت، فهي من قول بعض الرواة، وهذا اختيار أبي عبد الله القرطبي، انتهى كلام ابن القيم (٢).

قلت: الذي تدل عليه الأحاديث: الثاني، ففي حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - عند الإمام أحمد، قال: مر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في يومٍ شديد الحر في بقيع الغَرْقَد، قال: فكان الناس يمشون خلفه، فلما سمع صوتَ النعال، وقر ذلك في نفسه، فجلس حتى قدَّمهم أمامه؛ لئلا يقع في نفسه شيءٌ من الكِبْر، فلما مر ببقيع الغرقد، إذا بقبرين قد دَفَنوا فيهما رجلين، قال: فوقف النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "من دفنتم هاهنا اليوم؟ "، قالوا: فلانٌ وفلانٌ، قالوا:


= لهما إلى المدة المذكورة.
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (١/ ٣٢١): الحديث الذي احتج به أبو موسى ضعيف كما اعترف به، وقد رواه أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم، وليس فيه سبب التعذيب، فهو من تخليط ابن لهيعة.
(١) رواه البخاري (٣٩٩٣)، كتاب: المغازي، باب: غزوة خيبر، ومسلم (١١٥)، كتاب: الإيمان، باب: غلظ تحريم الغلول ... ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) انظر: "الروح" لابن القيم (ص: ٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>