للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا تركَ الطهارة الواجبة، وذلك ارتكبَ السببَ الموقع للعداوة بين الناس بلسانه، وإن كان صادقاً.

وفي هذا تنبيهٌ على أن الموقع بينهم العداوةَ بالكذب والزور والبهتان أعظمُ عذاباً، كما أن في ترك الاستبواء من البول تنبيهاً على أن من ترك الصلاةَ التي الاستبواءُ من البول بعضُ واجباتها وشروطها، فهو أشد عذاباً، انتهى (١).

الثالث: قال الإمام ابن القيم في كتاب "الروح ": اختلف الناس في هذين -يعني: صاحبي القبرين اللذين يعذبان-: هل كانا كافرين، أو مؤمنين؟!

فقيل: كانا كافرين، وقوله: "وما يعذبان في كبيرٍ"، يعني: بالإضافة إلى الكفر والشرك.

قالوا: ويدل عليه أن العذاب لم يرتفع عنهما، وإنما خفف، وأيضاً: فإنه خفف مدةَ رطوبة الجريدة فقط.

وأيضاً: فإنهما لو كانا مؤمنين، لشفع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهما، ودعا لهما، فرفع عنهما العذاب بشفاعته.

وأيضاً: ففي بعض طرق الحديث: أنهما كانا كافرين (٢)، وهذا


(١) انظر: "الروح" لابن القيم (ص: ٧٧).
(٢) رواه أبو موسى المديني في "الترغيب والترهيب" من حديت ابن لهيعة، عن أسامة بن زيد، عن أبي الزبير، عن جابر - رضي الله عنه -، قال: مرَّ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - على قبرين من بني النجار هلكا في الجاهلية، فسمعهما يعذبان في البول والنميمة. قال: هذا حديث حسن، وإن كان إسناده ليس بالقوي، لكن معناه صحيح؛ لأنهما لو كانا مسلمين، لما كان لشفاعته إلى أن تيبسر الجريدتان معنى، ولكنه لما رآهما يعذبان، لم يستجز للطفه وعطفه حرمانهما من إحسانه، فشفع =

<<  <  ج: ص:  >  >>