للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قتل المبتدِع إذا كان قتلُه يكف شرَّه عن المسلمين ويحسم مادّة الفتن.

وقد حكى ابن عبد البر وغيره عن مذهب مالك جوازَ قتل الداعي إلى البدعة.

فرجعت نصوص القتل كلُّها إلى ما في حديث ابن مسعود بهذا التقدير، ولله الحمد، كما ذكره الحافظ ابن رجب، ولخصته من كلامه.

قال: وكثيرٌ من العلماء يقول في هذه النصوص التي ذكرناها ها هنا إنها منسوخة بحديث ابن مسعود، وفي هذا نظر، لعدم العلم بتأخر حديثه عنها كلها, لا سيما وابن مسعود من قدماء المهاجرين، وكثير من تلك يرويها من تأخر إسلامُه، كأبي هريرة، وجرير بن عبد الله، ومعاوية، فإن هؤلاء كلهم رووا قتل شارب الخمر في المرّة الرابعة، ولأن الخاص لا يُنسخ بالعام، ولو كان العامُّ متأخرًا عنه، على الصحيح الذي عليه الجمهور؛ لأن دلالة الخاص على معناه بالنص، ودلالة العام عليه بالظاهر عند الأكثرين، فلا يُبطل الظاهرُ حكمَ النص، وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل رجلٍ كذب عليه في حياته، وقال لحيّ من العرب: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسلني وأمرني أن أحكم في دمائكم وأموالكم، وهذا روي من وجوهٍ متعددة كلُّها ضعيفة، وفي بعضها: أن هذا الرجل كان قد خطب امرأة منهم في الجاهلية، فأبوا أن يزوجوه، وإنه لما قال لهم هذه المقالة، صدّقوه، ونزل على تلك المرأة (١)، وحينئذٍ فهذا الرجل قد زنى، ونسبَ إباحةَ ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا كفرٌ ورِدَّة عن الدين، وقد قدّمنا أنه كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقتل بغير هذه الأسباب الثلاثة كما نص عليه الإِمام أحمد (٢)، والله الموفق.


(١) رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (١/ ٣٥٢)، من حديث بريدة - رضي الله عنه -.
(٢) انظر: "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (ص: ١٢٨ - ١٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>