للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإنما لم يجب ضمان ماعز على الذين قتلوه بعد هربه؛ لأنه ليس بصريح في الرجوع. وأما إن رجم ببينة، فهرب، لم يترك، بخلاف الرجوع عن الإقرار.

فإن قال من رجم بإقراره: ردوني إلى الحاكم، أو هرب، وجب تركُه وردُّه، ولم يجز إتمامُ الحد، فإن أُتم، فلا ضمان على من أتمه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يضمن ماعزًا من قتله، ولأن هربه ليس بصريح في رجوعه.

وأما إن قال: كذبتُ في إقراري، أو: رجعتُ عنه، أو: لم أفعلْ ما أقررتُ به، وجب تركُه، فإن قتله قاتل بعد ذلك، فعليه ضمانُه؛ لأنه قد زال إقراره بالرجوع عنه، فصار كمن لم يقرَّ، ولا قصاص على قاتله؛ لاختلاف العلماء في صحة رجوعه، فكان اختلافهم شبهة دارئة للقصاص، ولأن صحة الرجوع مما يخفى، فيكون ذلك عذرًا مانعًا من وجوب القصاص، بخلاف ما إذا رُجم ببينة، فهرب؛ فإنه لا يترك؛ لأن زناه ثبت على وجه لا يبطل برجوعه، فلم يؤثر فيه هربُه كسائر الأحكام، والله أعلم (١).

الثاني: الذي استقر عليه المذهبُ: أن المرجوم يُرجم بحجارة متوسطة كالكف، فلا ينبغي أن يثخن بصخرة كبيرة، ولا أن يطول عليه بحصاة خفيفة، ويتقى الوجه، ولا يزال يرجم حتى يموت من غير أن يُحفر له حفيرة، رجلًا كان المرجوم أم امرأة، ثبت ببينة أو إقرار، وتُشد ثيابُ المرأة؛ لئلا تنكشف، والسنة أن يدور الناس حوله من كل جانب كالدائرة إن كان زناه ثبت ببينة، وأما إن كان ثبت بإقراره، لم يدر حوله؛ لاحتمال أن يهرب فَيُترك.


(١) انظر: "شرح المقنع" لابن أبي عمر (١٠/ ١٣٩ - ١٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>