وقال في كتابه "الداء والدواء": وقد اختلف الناس هل هو أغلظ عقوبة من الزنا، أو الزنا أغلظ عقوبة منه، أو عقوبتهما سواء؟ على ثلاثة أقوال:
فذهب الصديق الأعظمُ، وعليُّ بن أبي طالب، وخالد بن الوليد، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وجابر بن زيد، وعبد الله بن معمر، والزهري، وربيعة بن عبد الرحمن، ومالك، وإسحاق بن راهويه، والإمام أحمد في أصح الروايتين عنه، والشافعي في أحد قوليه: إلى أن عقوبته أغلظُ من عقوبة الزنا، وعقوبته القتل على كل حال، محصنًا كان أو غير محصن.
وذهب عطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وإبراهيم النخعي، وقتادة، والأوزاعي، والشافعي في ظاهر مذهبه، والإمام أحمد في الرواية الثانية عنه، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن: إلى أن عقوبته وعقوبة الزنا سواء.
وذهب الحكم، وأبو حنيفة: إلى أن عقوبته دون عقوبة الزاني، وهي التعزير، قالا: لأنه معصية من المعاصي لم يقدر الله ولا رسولُه فيه حدًا مقدَّرًا، فكان فيه التعزير؛ كأكل الميتة والدم ولحم الخنزير، ولأنه وطء في محل لا تشتهيه الطباع، بل ركبها الله على النفرة منه، حتى الحيوان البهيم، فلم يكن فيه حد؛ كوطء الحمار وغيره.
قالوا: ولأنّا رأينا قواعد الشريعة أن المعصية إذا كان الوازع عنها طَبْعيًّا، اكتفي بذلك الوازع من الحد، وإذا كان في الطباع تقاضيها، جعل فيه الحد بحسب اقتضاء الطباع لها، وقد جبل الله الطباع على النفرة من وطء الرجل مثلَه أشدَّ نفرة، كما جبلها على النفرة من استدعاء الرجل من يطؤه؛ بخلاف الزنا؛ فإن الداعي فيه من الجانبين.