قال: ومن نسب إلى الإمام مالك شيئًا من إباحة الفواحش، فهو كذب، وهو كفر وزندقة من قائله بإجماع الأمة.
قال: ونظير هذا ما يتوهمه كثير من الفَسَقَة وجهالِ الترك وغيرهم أن مذهب أبي حنيفة أن هذا ليس من الكبائر، وغايته أن يكون صغيرة من الصغائر، وهذا من أعظم الكذب والبهتان على الأئمة، فقد أعاذ الله أبا حنيفة وأصحابه من ذلك، وشُبهة هؤلاء الفسقة الجهلة أنهم لما رأوا أبا حنيفة لم يوجبْ فيه الحد، ركَّبوا على ذلك أنه ليس من كبائر الذنوب، بل من صغائرها، وهذا ظن كاذب؛ فإنه لم يُسقط فيه الحد لخفته؛ فإن جرمه عنده وعند جميع أهل الإسلام أعظمُ من جرم الزنا، ولهذا عاقب الله -سبحانه- أهله بما لم يعاقب به أمةً من الأمم، وجمعَ عليهم من أنواع العذاب ما لم يجمعه على غيرهم، ولكن شُبهة من أسقط فيه الحد: أن فحشه مركوز في طباع الأمم، فاكتفى فيه بالوازع الطبعي، كما اكتفى بذلك في أكل الرجيع وشرب البول والدم، ورتب الحد على شرب الخمر؛ لكونه مما تدعو إليه النفوس.
والجمهور يجيبون عن هذا بأن في النفوس الخبيثة المتعديةِ حدودَ الله أقوى الداعي لذلك، فالحد فيه أولى من الحد في الزنا، ولذلك وجب الحد على من وطىء أمه وبنته وخالته وجدته، وإن كان في النفوس وازع وزاجر طبعي عن ذلك، بل حد هذا القتل بكل حال، بكرًا كان أو محصنًا في أصح الأقوال.
قال: وهذا مذهب الإمام أحمد، وغيره، وأطال في ذلك (١).