للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سوء بغيه، ووخيمِ عاقبته، وهذا الذي أشار إليه ابن القيم.

وسبق الخطابي إلى ذلك أبو محمد بن قتيبة فيما حكاه ابن بطال، فقال: واحتج الخوراج بهذا الحديث على أن القطع يجب في أقل الأشياء وكثيرها، ولا حجة لهم في ذلك (١)؛ لأن الآية لما نزلت، قال -عليه السلام- ذلك على ظاهر ما نزل، ثم أعلمه الله تعالى أن القطع لا يكون إلا في ربع دينار، فكان بيانًا لما أجمل، فوجب المصيرُ إليه، قال: وأما قول الأعمش: إن البيضة في هذا الحديث بيضةُ الحديد الذي يجعل في الرأس في الحرب، وإن الحبل حبال السفن، فهذا التأويل لا يجوز عند من يعرف صحيح كلام العرب؛ لأن كل واحد من هذين يبلغ دنانير كثيرة، وهذا تكثير لما يسرقه السارق، وليس من عادة العرب والعجم أن يقولوا: قبح الله فلانًا عرّض نفسه للضرب في عقد جوهر، وتعرض للعقوبة بالغلول في جراب مسك، وإنما العادة في مثل هذا أن يقولوا: لعنه الله، تعرَّضَ لقطع اليد في حبل رَثّ، أو في كبة شعر، أو رداء خَلَق، وذكر نحو ما قدمنا عن الخطابي (٢).

وأيضًا: فالعار الذي يلحقه بالقطع لا يساوي ما حصل له ولو كان جليلًا، وإلى هذا أشار القاضي عبد الوهاب بقوله:

[من البسيط]

صِيَانَةُ الْعُضْوِ أَغْلَاهَا وَأَرْخَصَهَا ... صِيَانَةُ الْمَالِ فَافْهَمْ حِكْمَةَ الْبَارِي

وردَّ بذلك على قول المعري:

[من البسيط]

يَدٌ بِخَمْس مِئِين عَسْجدًا وُدِيَتْ ... مَا بَالُها قُطِعَتْ فِي رُبع دِينَارِ

تَحَكُّمٌ مَا لَنَا إِلَّا السُّكُوتُ لَهُ ... وأَنْ نَعُوذَ بِمَوْلَانَا مِنَ النَّارِ


(١) انظر: "غريب الحديث" لابن قتيبة (١/ ١٤٩).
(٢) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (١٢/ ٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>