للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن حضر قبل الحكم، وقف الحكم على حضوره، ولا تجب إعادةُ البينة، بل يخبره الحاكم بالحال، ويُمكِّنه من الجرح.

فإنْ جرحَ البينةَ بأمر بعد أداء الشهادة؛ بأن يقول مثلًا: فلان قد شرب الخمر اليوم بعدما شهد، أو جرحها مطلقًا، لم يقبل جرحه لها؛ لأنه لابدّ من قبول جرحه لها بارتكاب أمر يرد الشهادة قبل أدائها (١).

الثالث: احتجاجُ من احتجّ من العلماء بقصة هند لما اشتكت أبا سفيان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأذن لها أن تأخذ من ماله كفايتها وكفايةَ بنيها بالمعروف، فيه نظر بيّنٌ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية، وكذا تلميذه ابن القيم: هذا الاستدلال ضعيف جدًا، فإن هذا إنما هو فُتيا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا حكم؛ لأن زوجها أبا سفيان لم يكن غائبًا عن البلد، قال: والحكم على الغائب عن مجلس الحاكم الحاضرِ في البلد غيرُ ممتنع من الحضور، وهو يقدر عليه، ولم يوكل وكيلًا، لا يجوز اتفاقًا.

وأيضًا: هند لم تسأله - صلى الله عليه وسلم - الحكم، وإنما سألته: هل يجوز لها أن تأخذ ما يكفيها ويكفي ولدها؟ وهذا استفتاء محض، فالاستدلال به على الحكم سهو.

وكذا استدلال من استدل بالقصة المذكورة على أن للحاكم أن يحكم بعلمه (٢)؛ كما ذكرنا أنَّها من باب الفتيا لا من باب الحكم، والله أعلم.


(١) انظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (٦/ ٥٥٢ - ٥٥٣).
(٢) انظر: "الطرق الحكمية" لابن القيم (ص: ٢٨٧ - ٢٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>