الناس"، فدل على أن من الناس مَنْ يعلمُها، وإنما هي مشتبهة على من لم يعلمها، وليست مشتبهة في نفس الأمر، فدخل فيمن لم يعلمها نوعان:
أحدهما: من يتوقف فيها؛ لاشتباهها عليه.
الثاني: من يعتقدها على غير ما هي عليه.
ودل على أن غير هؤلاء يعلمها، والمراد: أنه يعلمها على ما هي عليه في نفس الأمر؛ من تحليل أو تحريم، وهذا من أظهر الأدلة على أن المصيب عند الله -عزَّ وجلَّ- في مسائل الاجتهاد المختلف فيها بين الحِلِّ والحُرْمَة واحدٌ، وغيره ليس بعالم بها؛ بمعنى: أنه غير مصيب لحكم الله فيها في نفس الأمر، وإن كان يعتقد باستناده فيها إلى شُبَهٍ يظنها دليلًا، ويكون مأجورًا على اجتهاده، أو مغفورًا له خطؤه لعدم اعتماده.
ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - قسم الناس في الأمور المشتبهة إلى قسمين؛ وقدَّمَ القسمَ الأول لشرفه، فقال (فمن)؛ أي: أي شخص ممن اشتبهت عليه، وهو مَنْ لا يعلمها، بخلاف العالمِ بها، المتتبعِ ما دلَّه علمُه عليها؛ فإنه على هُدًى واستبصار، فهذا ليس ممن الكلام فيه (١)(اتقى الشبهات)؛ أي: حَذر منها، وهي -بالضم- جمع شبهة؛ أي: من اجتنبها فقد (استبرأ) -بالهمز- بوزن استفعل من البراءة؛ أي: طلب البراءة (لدينه) من الذم والنقص (و) صيانة (عرضه) من الشَّين وكلام الناس، والعِرْض -بكسر العين المهملة وسكون الراء فضاد معجمة-: موضع المدح والذم من الإنسان؛ أي: ما يحصل له بذكره الجميل مدح، وبذكره القبيح قدح، وقد يكون ذلك تارة في نفس الإنسان، وتارة في سلفه، أو في أهله ومن يلزمُه أمرُه.