للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(ألا وإنّ لكل ملك) من ملوك الدُّنيا من العرب وغيرهم (حِمًى) يحميه عن الناس، ويمنعهم من دخوله، فمن دخله، أوقع به العقوبة، ومن احتاط لنفسه، لا يقارب ذلك الحمى؛ خوفًا من الوقوع فيه (ألا وإن حمى الله) -سبحانه وتعالى- (محارمُه)؛ أي: المعاصي التي حرّمها؛ كالقتل والزنا والسرقة وشرب الخمر وأشباهها، فكلُّها حمى الله، من دخل شيئًا منها بارتكابه المعاصي، استحق العقوبة، ومن قارب شيئًا منها، يوشك أن يقع فيه، فمن احتاط لنفسه، لم يقاربها، فلا يتعلق بشيء يقربه من المعاصي، ولا يدخل في شيء من الشبهات (١).

(ألا وإن في الجسد مضغة) هي القطعة من اللحم، سميت بذلك؛ لأنها تُمْضَغ في الفم؛ لصغرها، قالوا: والمراد: تصغيرُ القلب بالنسبة إلى سائر الجسد (٢) (إذا صلَحت) تلك المضغة، (صلَح الجسدُ كلُّه)، (وإذا فسَدَتْ) تلك المضغة، (فسدَ الجسدُ كلُّه).

قال أهل اللغة: يقال: صلَح وفسَد -بفتح اللام والسين وضمهما- والفتح أفصح وأشهر (٣)، (ألا وهي)؛ أي: تلك المضغة التي يصلح الجسد كله بصلاحها، ويفسد سائره بفسادها (القلبُ)، وهو الشكل الصَّنَوْبَرِيُّ في الجوف، أدقُّه إلى أسفل، وأغلُظه إلى فوق، وسُمِّي القلبَ؛ لتقلُّبه في الأمور، أو لأنه أخلص ما في البدن، وخالصُ كلِّ شيء فيه، أو لأنه وُضع في الجسد مقلوبًا، فصلاح حركات العبد بجوارحِه واجتنابه المحرمات، واتقائه الشبهات بحسب صلاح قلبه، فإن كان قلبه سليمًا، ليس فيه إلا


(١) انظر: "شرح مسلم" للنووي (١١/ ٢٨).
(٢) المرجع السابق، (١١/ ٢٩).
(٣) المرجع السابق، الموضع نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>