للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و -أيضاً- فهو شعار الحنفاء، ولذا أولُ من اختتن إمامُهم سيدنا إبراهيم، فصار الختان شعار الحنيفية، وهو مما توارثته بنو إسماعيل - عليه السلام -، وبنو إسرائيل الذي هو يعقوب - عليه السلام - عن إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم -، وضده شعار عباد النار وعباد الصليب.

فلا ينبغي لعاقل أن يرضى لنفسه ترك سنة هؤلاء الأبرار، واقتفاء شعار هؤلاء الكفار، فالختان علم الحنيفية، وشعارُ الإسلام، ورأسُ الفطرة، وعنوان الملة.

وإذا كان - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لم يأخذْ شاربَه فليسَ منا" (١)، فكيف بمن عَطَّل الختان، ورضي القلف شعارَ عباد الصلبان؟! فمن أَظْهَرِ ما يُفرَّقُ به بين عباد الصلبان وعباد الرحمن: الختان، وعليه استمر عمل الحنفاء من عهد أبيهم وإمامهم الخليل إبراهيم إلى عهد سيدهم ونبيهم خاتم الأنبياء - عليهما أفضل الصلاة وأتم التسليم -.

ومن أحسن ما يُستدل به على وجوبه ما بدأنا به من أن الله أمرنا باتباع خليله في اتباع ملته.

ولَمَّا أمر الله الحليم الكريم الحكيم خليلَه إبراهيمَ بالاختتان كان عمره ثمانين سنةً - (٢) على المشهور عند أئمة المحدثين والمؤرخين من أهل الإيمان -، فَبَادَرَ إلى امتثال الحي القيوم، وختن نفسَه بالقدوم، مبادرة للامتثال، وطاعة لذي العزة والجلال، وجعله فطرة باقية في عقبه يحتج


(١) رواه النسائي (١٣)، كتاب: الطهارة، باب: قص الشارب، والترمذي (٢٧٦١)، كتاب: الأدب، باب: ما جاء في قص الشارب، وقال: حسن صحيح، والإمام أحمد في "المسند" (٤/ ٣٦٦)، وغيرهم عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه -.
(٢) كما سيأتي تخريجه قريباً.

<<  <  ج: ص:  >  >>